لم يكن تطوراً دراماتيكيا ولم تكن تعقيدات مفاجئة او سريعة بل عاصفة قوية ضربت العلاقة الفتحاوية الحمساوية وهدمت كافة السدود التى انشئت كعائق لطوفان الانقسام الفلسطيني الذي اباح انتهاك حرمات المواطن الفلسطيني وكينونته , انهيار الحد الادني من العلاقة الوطنية التي تضمن حماية الثوابت والمقدرات والمواطن وتخليصة من الفقر والهجرة في صفوف شبابه وابنائة بهدف البحث عن حقوق وحياة في بيئات غير عربية , الزلازال الذي حدث جاء نتيجة تراكمات معقدة استمرت لمدة اثني عشر عام وما زالت حتي الان وتزداد تعقيدا يوما بعد الاخر وقد تصل الى ذروة التعقيد خلال الايام القادمة وسيعلن رسميا عن كيانين سياسيين فلسطينين منفصلين. تصاعدت المناكفات السياسية حدة و وصلت في احد المرات لارسال رسائل الي العالم عبر التشريعي في غزة بان الرئيس ابو مازن لا يمثل الفلسطينين ولا يمثل الا نفسه وحماس لم تكلف ابو مازن بالحديث امام الاممالمتحدة باسم الشعب الفلسطيني في الدورة 75 وكان هذا بمثابة الشرارة التي اشعلت النار في عربة المصالحة الفلسطينية حتي جاء فشل اكبر لقاء حمساوي في مصر يوم 21 نوفمبر الماضي. لم تتقدم خطوات استكمال تطبيق اتفاق القاهرة 2017 واصرت حماس علي التمترس عند اتفاق 2011 بل استمر الهجوم على سلطة ابو مازن وانكارها بل وعدم الاعتراف بمنظمة التحرير الفلسطينية كممثل شرعي و وحيد للشعب الفلسطيني . افشلت القيادة الفلسطينية قرار اممي يعتبر حماس حركة ارهابية تمارس جرائم ضد اسرائيل كمقدمة لمحاكمة قادتها دوليا وحصلت فلسطين بالمقابل على قرار يعتبر مقاومة الاحتلال حق مشروع للفلسطينين حسب القانون الدولي ولم تستغل حماس هذه الفرصة التاريخية لانهاء الاختلاف ولم ترسل اي رسائل ايجابية لابو مازن وسرعان ما تصاعدت لهجة المناكفات السياسية من جديد وخرجت عن حالة المعقول والمنطقي بعد قرار الدستوية بحل التشريعي واجراء الانتخابات التشريعية خلال ستة شهور من تاريخة اليوم اعلن تشريعي غزة عدم اهلية ابو مازن السياسية ليبقي رئيس السلطة الفلسطينية, ولعل موافقة اسرائيل على تحويل الاموال القطرية لحماس عبر بنوكها ساهم في ابتعاد المشهد عن الاختلاف السياسي الي بدء مرحلة استغناء حماس كليا عن ابو مازن والسلطة الفلسطينية وحتى الشراكة الوطنية لادارة مؤسسات الدولة. انهارت المصالحة الفلسطينية بالكامل بعد الاعتقالات الواسعة في صفوف عناصر حركة فتح على خلفية مهرجان انطلاقة الحركة الرابعة والخمسين بغزة والاعتداء على تلفزيون فلسطين واستدعاء طواقمه الاعلامية للتحقيق الامر الذي لن يقبله اي فلسطيني اي عقل وطني , وما تبع ذلك من اجراءات من قبل القيادة الفلسطينية بسحب موظفيها من معبر رفح في خطوة كان ينبغي التريث فيها لانها تؤثر على المواطن الفلسطيني بالدرجة الاولي ولا تؤثر على حماس وقادتها كثيرا .لا اعتقد ان المساعي المصرية الجديدة االتي قام بها الوفد الامني المصري مؤخرا قد تنجح في وقف احراق السفن , الاشارات الصادرة من نتائج لقاءات الوفد الامني المصري توحي بان المساعي المصرية بات اشبة بحالة عجز قد تؤدي الى تخلي مصر عن رعاية المصالحة وترك الملف مؤقتا حتي يستنزف الطرفان بعضهما او يتواضع طرف ما لصالح تطبيق الاتفاقات التى تم توقيعها في القاهرة لان مصر بدأت تشعر ان كلمتها غير مسموعة ونصائحها لم تحترم ومساعيها دون جدوي ولم تحقق اي نجاح في اعادة غزة لحكومة الوفاق الوطني والتي كانت مكلفة حسب اتفاق 2017 بالتجهيز للانتخابات التشريعية والرئايسية . اليوم بات المشهد اشبه بانفصال سياسي كامل بل وجغرافي ينذر باخطار محدقة بالكل الفلسطيني هذا الانفصال هو ما تسعي اليه اسرائيل والولايات المتحدة لتنفيذ مشروع "صفقة القرن" وأصبح الانفصال السياسي الذي وصل اليه الفلسطينين هدية لاسرائيل لم تكن تحلم يوم من الايام بامتلاكها حتي لو خاضت عشرات الحروب لكن الصراع على الحكم واختلاف البرامج جعل اسرائيل تنتصر في معركة هي طرف خفي وعامل اساسي دون اكتراث من الفلسطينين . هنا باتت غزة في الطريق الى مصير نحذر منه وهو كيان سياسي منفصل قد يكون هو الكيان البديل لحل الدولتين . المواطن الفلسطيني في غزة مازال يعيش حالة الصدمة ولا يدرك كثيرا ما الذي ينتظرة نتيجة هذا الانفصال لكن المؤكد انه سوف يدفع الضريبة غالية من قوت ابنائة ومجمل حياته وتنقلة وحقوقه الاساسية والمدنية وحتى السياسية وبات امام خيارات محدوده جدا فاما ان يرضي بالعيش كضحية للانقسام السياسي ويتسول على ابواب المؤسسات التي تديرها حماس في غزة الاجتماعية والاغاثية وبالتالي الصبر علي الجوع والعوز او ان يغادر غزة الي لا رجعه ويعيس في معسكرات اللجوء في اوروبا كباقي المئات من ابناء غزة الذين هاجروا خلال الفترة الماضية . لن يستطع المواطن الفلسطيني العيش كمواطن عادي وطبيعي في ظل كيان جديد يبتزه ويتلاعب به العالم واسرائيل الي فترة من الزمان حتي يتم تدجين المقاومة والاستيلاء على مقدراتها كاملة وانهاء حالة المواجهة مع الاحتلال الاسرائيلي وعقد الصلح التاريخي بينها وبين اسرائيل بمنح كيان سياسي في غزة وبعض الاراضي التي تجاورها في سيناء وبالتالي تصبح غزة مكان صالح للعيش . المعادلة اصبحت واضحة اليوم مع كل هذا لا مصالحة قادمة ولن يعطي العالم غزة اكثر من مسكنات للعيش لوقف اي انفجار او تهديد لامن اسرائيل الا اذا منح هذا العالم غزة كيان مستقل ودولة ومطار وميناء وكل عناصر السيادة بشرط موافقة حماس على الانخراط سرا او علنا فيما يسمي "صفقة القرن" التى بنيت على اساس ان الانقسام الفلسطيني سيتطور الي انفصال سياسي وجغرافي تنتظره امريكا واسرائيل وبعض دول الاقليم . [email protected]