حتى وقت قريب كانت شبكة التواصل الاجتماعي (تويتر) تمثل لعبة غامضة على كثير من السعوديين، الذين أدى بهم التضليل الدعائي الممنهج إلى الاعتقاد بأن ما يدور فيها يعطي صورة حقيقية عن رأي الشارع، ثم شيئاً فشيئاً اكتشفوا أن كل شيء في «تويتر» بلا استثناء يمكن شراؤه وبيعه، بدءاً بأعداد متابعي الحسابات الشخصية، ومروراً بعدد مرات إعادة التغريد (الريتويت)، وليس انتهاء بسهولة صناعة وسم (هاشتاق)؛ يحقق أرقاماً مليونية في التداول بمبالغ مالية بسيطة لا تتجاوز مئات الدولارات. قبل عامين، كشفت دراسة صادرة عن شركة عالمية هي «غلوبال ويب اندكس»، أن السعوديين سجلوا أعلى نسبة نمو عالمياً من حيث عدد مستخدمي موقع «تويتر»، وهذا أمر طبيعي كون الدراسات من هذا النوع تتناول أعداد الحسابات الجديدة التي تُفتح من السعودية، بعيداً عن كشف حقيقة أن معظم تلك الحسابات «وهمية» تخص شركات ومؤسسات تسويق، بل وأفراد انخرطوا في اللعبة، حتى امتلك بعضهم أكثر من نصف مليون حساب يبيعها على مئات المغردين ك«متابعين» بمكسب جيد، وهو أمر خلق سوقاً رائجة للتزوير «التويتري» في السعودية، لا يوجد شبيه لها في جميع دول العالم. من الأسرار الكبرى التي لا يعرفها كثير من المتحمسين لتغريدات وهاشتاقات مشاهير «تويتر» السعوديين، أن هناك شركة تسويق يملكها مغرد صاحب ميول «إخوانية»، تدير معظم حسابات المشاهير ذوي الميول المشابهة، وتدعمها بالمتابعين الوهميين، وتستخدمها فعلياً في صناعة الهاشتاقات التي تخدم أجندتها، وكذلك في ترويج الإعلانات التجارية بشكل غير مباشر، في مقابل مبالغ مالية سنوية يقبضها صاحب الحساب الذي قد يكون شيخ دين مشهوراً يتابعه الملايين، أو كاتباً معروفاً، أو فناناً ساذجاً، أو حتى مهرجاً «يوتيوبياً» وهم كُثر، المهم أن يسهم حسابه الشخصي في تحقيق أهداف العصابة، عبر إيهام الناس أن الوسم الفلاني مهم ومؤثر؛ لأنه سجل أرقاماً قياسية في عدد المشاركين من المشاهير والحسابات الوهمية، بينما أولئك المشاهير لا يعرفون بماذا غردت حساباتهم في ذلك الوسم، هم فقط يغردون بأنفسهم تغريدات قليلة ذات طابع شخصي بين فترة وأخرى؛ لخداع المتابع وإيهامه بأنهم يكتبون كل ما يُنشر في حساباتهم، بل إن أحدهم -وهو شيخ دين معروف- خلقت له الشركة شخصية فكاهية عبر تغريدات ساخرة يرد بها على متابعيه بطريقة يصفها السعوديون ب«قصف الجبهات». وكما يمارس ذوو الميول الإخوانية لعبتهم، تمارس جهات أخرى اللعبة لأهداف مختلفة كتلميع إنجازات جهة ما، أو التطبيل لمسؤول معين، أو تشويه سمعة آخر، وبالطبع ليس من المهم أن يدرك جميع السعوديين أسرار تلك اللعبة، ولا من الضروري أن يتعرفوا على طرق التضليل التي تمارس في الشبكات الاجتماعية. من المهم فعلاً أن يدرك أصحاب القرار ومستشاروهم أن ليس كل ما يُطرح ويُروج في هذه الشبكات صحيح أو يعبر بأي شكل من الأشكال عن الرأي العام. نقلا عن الحياة اللندنية