في قراءة لتقارير التنمية البشرية في العالم العربي خلال العقدين الماضيين، لا نجد فرقاً واضحاً يتحقق على أرض الواقع، بل أن بعض مؤشرات التنمية البشرية في العالم العربي تسجل تراجعاً مخيفاً، إذ تشير أرقام البنك الدولي إلى أن مستوى الجوع في العالم العربي ارتفع إلى الضعف خلال العقدين الماضيين. ومن المؤسف، في الوقت نفسه، أن مؤشرات متوسط مستوى دخل الفرد أو نسبة انتشار التعليم أو توفر وتطبيق الحقوق المدنية لم يطرأ عليها تغييراً يذكر، إن لم تسجل تراجعاً في بعض الدول العربية. وفيما يعيش العالم المتقدم مرحلة نوعية متقدمة من التنمية الاقتصادية، وانتقل إلى التنمية المستدامة، وحقق مستوى عالياً من الرفاه الاقتصادي، نجد أن العالم العربي يسجل تراجعاً، على الرغم من أن بعض الدول العربية قد مرت بمرحلة ما سمي بالربيع العربي، وهي مرحلة خلقت، في بداياتها على الأقل، نوعاً من التفاؤل والتطلع لمستقبل أكثر إشراقاً يعيد العالم العربي إلى مسار الإصلاح والتنمية الحقيقية، إلاَّ أن الواقع الذي تمخض عنه هذا الربيع، هو دمار حقيقي في بعض دوله، وتوقف لعجلة الإنتاج في دول أخرى. وهو ما أصاب المتفائلين بالربيع العربي في مقتل، وأعادهم إلى نقطة الصفر، إن لم يكن قد أدخلهم في متاهات لم تكن في حسبانهم. والخاسر الأكبر في كلتا الحالتين هو الإنسان العربي. إن المواجهة الحقيقية التي خسر فيها الإنسان العربي مع هذا الربيع العربي، هي تلك التي قصمت ظهر التنمية البشرية في المقام الأول، فتراجع حظ الإنسان العربي ونصيبه من التنمية، وأصبح ساحة لمشاهد سلبية لمؤشرات الجهل والجوع والفقر، وهو ما قيض البناء التنموي في العالم العربي، وخلق حالة من الإحباط قد ترسم معالم المستقبل لسنوات طويلة. وفي مثل هذا المناخ، يتراجع الفكر، وينعكس ذلك بالضرورة على أدبيات الاقتصاد، وتغيب عنها مصطلحات الرفاه الاقتصادي، وتستبدل بمحاولات التفكير في مأزق التنمية، والحاجة إلى رسم استراتيچية عملية تُخرج العالم العربي في عنق زجاجة الربيع العربي. في أدبيات الغرب الاقتصادية، تجد قراءات في مفهوم اقتصادات الرفاه، بعد أن حققت مجتمعاته درجة عالية من التنمية الاقتصادية. والرفاه الاقتصادي مصطلح اقتصادي يؤطر لمقومات السعادة لدى الإنسان، باعتبارها شعور بالرضا والارتياح يصاحبه بهجة واستمتاع بالحياة. وهنا يلتقط الفكر الاقتصاي الحديث هذا المفهوم ليضع سؤالاً عريضاً.. كيف تكون سعيداً؟ وتكون الإجابة عليه في إطار نظريات التنمية البشرية والتحقق في العدالة التوزيع في المجتمع بما يمكن أفراده من تطوير ذواتهم وتوفير عامل الرغبة، وهو العامل الذي يحدث ذلك الفرق بين أفراد المجتمع في سلم الحياة ومتطلبات العيش. *رئيس دار الدراسات الاقتصادية.