أسدلت محكمة مصرية أمس الستار على «قضية القرن»، عندما أصدرت أحكاماً بتبرئة جميع المتهمين في القضية من اتهامات تتعلق ب «قتل المتظاهرين والفساد المالي». وتضمن الحكم «عدم جواز نظر الدعوى الجنائية» بحق الرئيس السابق حسني مبارك في شأن تهمة قتل المتظاهرين السلميين خلال «ثورة يناير» 2011، فيما استند حكم تبرئة وزير داخليته حبيب العادلي وستة من كبار مساعديه على «تبرئة محاكم جنايات في 9 محافظات مصرية لمرؤسيهم»، في إشارة إلى ضباط الشرطة الذين نالوا البراءة في قضايا قتل المتظاهرين في المحافظات. كما قضت المحكمة ب «انقضاء الدعوى الجنائية» في شأن اتهام مبارك ونجليه علاء وجمال ب «الفساد المالي»، لمضي المدة، وإن اشتكى رئيس المحكمة المستشار محمود كامل الرشيدي من قصور في القانون، مطالباً المشرّع بتعديله «حتى تبسط العدالة سلطانها على كل صور الرشي للموظف العام، أو المتاجر بنفوذ حقيقي، لئلا يفلت الموظف العام من جرائم الفساد بمقتضى المادة المسقطة للدعوى الجنائية». كما قضت المحكمة بتبرئة الرئيس السابق ورجل الأعمال حسين سالم (في حال فرار) في قضية تصدير الغاز المصري لإسرائيل بأسعار زهيدة، لكن القاضي الرشيدي طالب رئيس الحكومة (إبراهيم محلب) بسرعة التدخل لتحصيل ديون على شركة شرق البحر المتوسط للغاز، والتي يملكها سالم، بقيمة 174 مليون دولار بخلاف الفوائد الواجبة، لمصلحة الشركة المصرية العامة للبترول، وفقاً لما كشفت المستندات التي قدمت للمحكمة. وفيما اشتكى رئيس المحكمة من غل يده في ختام تلاوته للأحكام، مشيراً إلى أن أحكام تبرئة المتهمين في «قتل المتظاهرين» عام 2011 لا تدل «على كذب بالوقائع المبلّغ عنها (قتل وإصابة المتظاهرين)» كما أنها «لا تمنع المحكمة المدنية من إعادة بحث عناصر المسؤولية المدنية باعتبار أن المحكمة الجنائية لم تفصل في الأساس المشترك بين الدعويين الجنائية والمدنية». وأكد الحكم «نقاء مطالب المتظاهرين في ثورة يناير، والتي نادت بالعيش والحرية والعدالة الاجتماعية»، وكال الانتقادات لسنوات حكم الرئيس السابق مبارك لما اعترى النظام الحاكم «من وهن خلال سنواته الأخيرة»، وانتقد استعداد مبارك لتوريث حكمه لنجله جمال، قائلاً إن ذلك حصل «عندما فسق فرع منه (النظام) وتهيأ للاستحواذ على مقاليد الحكم، وقرّب الاتباع، ونضب ضخ دماء جديدة على مقاعد صارت حكراً لقيادات تناست دوران عجلة قانون الحياة دوماً للأمام، وتصرّمت عزيمتهم للاستحداث، وغض الطرف عن الموروثات الشرطية، التي جفّلت الفكر الأمني الخلاق، وتقاتل على ثروات مصر زمرة من المنتفعين وأصحاب المصالح والمتسلقين، مع تزييف الارادة الشعبية، واندثار التعليم، وإهدار الصحة، وتجريف العقول المستشرقة للغد»، مشدداً على «اجتياز الوطن الحالة الثورية، وترسيخ المشروعية الدستورية الجديدة، بعد الثورة الشعبية الثانية (30 حزيران - يونيو 2013)، ومهما كان الرأي أو الحكم عن فترة تولي مبارك المسؤولية والتي قاربت على 36 عاماً، ما بين نائب لرئيس، ثم رئيس للجمهورية، فأصاب وأخطأ، مثل أي حكم لبشر، فالحكم له أو عليه، بعد أن أنسلخ منه العمر سيكون للتاريخ، وبالأحرى لقاضي القضاة، الحق العدل، الذي سيسأله كحاكم عن رعيته». وطالب الرشيدي رئيس الجمهورية (عبدالفتاح السيسي) بتعظيم الدور الإيجابي للمجلس القومي لرعاية أسر الشهداء ومصابي الثورة المصرية، ل «يستظل برعايته كل من كان يعول من قدموا أرواحهم، أو المصابين، ولرد المظالم إلى أصحابها، على أن يشمل ذلك شتى مناحي الحياة الاجتماعية والاقتصادية والصحية والتعليمية، فتهدأ أحوال المصريين وتطيب النفوس بعد الرضا بما قدمه الرحمن»، مشيراً إلى أن المحكمة «تنوء بحمل ثقيل من الحزن على من قتل في الميادين العامة سواء من الثائرين أو من رجال الجيش والشرطة، في المحافظات المختلفة دفاعاً عن حقوق مشروعة للوطن». وذكر رئيس المحكمة أن الحكم وحيثياته وردت في 1430 صفحة، وأنه أعد فهرساً لها، وأورد بها عدد القتلى والمصابين في 10 محافظات. واستدعت تبرئة جميع المتهمين تدخلاً من النائب العام المصري المستشار هشام بركات، إذ أصدر قراراً بتكليف مكتبه الفني بإعداد دراسة قانونية متكاملة لحيثيات «أسباب» الأحكام بحق مبارك ورجاله، تمهيداً للطعن على تلك الأحكام أمام محكمة النقض. وهذه الأحكام نهائية لكنها غير باتة إذ يتبقى درجة أخيرة من درجات التقاضي، أمام محكمة النقض (أعلى سلطة قضائية في البلاد)، التي من المفترض أن تنظر في الطعون التي سيقدمها النائب العام للمرة الأخيرة، فإذا رفضت تلك الطعون، تصبح أحكام البراءة نهائية، أما في حال قبلت الطعون وقضت بنقض (إلغاء) أحكام البراءة، تتولى محكمة النقض بنفسها مباشرة إعادة المحاكمة للمتهمين عن كل الوقائع التي تضمنتها القضية. وعلى رغم تبرئة جميع المتهمين، غير أن مبارك سيظل قيد السجن، إذ يمضي عقوبة السجن 3 سنوات في قضية «فساد في قصور الرئاسة»، بدءاً من صدور الحكم في أيار (مايو) الماضي، ومثله نجلاه علاء وجمال اللذان يقضيان عقوبة السجن لمدة 4 سنوات في القضية نفسها، ووفقاً لمصدر قضائي تحدث إلى «الحياة» فإنه «لن يتم خصم فترة السجن الاحتياطي التي قضاها مبارك ونجلاه في قضية قتل المتظاهرين، من العقوبة، إلا بعد صدور حكم نهائي من محكمة النقض»، في حين يقضي حبيب العادلي عقوبة السجن 3 سنوات في قضية «سخرة المجندين»، والتي صدرت في مطلع شباط (فبراير) العام الماضي، وهي العقوبة التي أيدتها محكمة النقض، في حين سيطلق سراح مساعدي العادلي الستة. وكان رئيس المحكمة القاضي محمود الرشيدي استبق خلال تلاوته للأحكام أمس، الانتقاد الذي سيصدر عن معارضي تبرئة جميع المتهمين، فأكد «أن عمره تجاوز 63 سنة، وعلى مشارف القبر»، وأصبغ حديثه بلهجة دينية قائلاً: «أرى لحظة حسابي.. حيث سيتم سؤالي عما صنعته في الدنيا بصفة عامة، وماذا قضيت في القضاء بصفة خاصة». وأضاف: «رفعة بلادنا لن تكون إلا ببعث مكارم الأخلاق، والإتقان في العمل، إن كان ما أقول بالنقص، فنحن بشر، وإن كان فيه إجادة فمن رب البشر». وكان مبارك وحبيب العادلي وزير الداخلية السابق ومساعدوه الستة حوكموا في قضية اتهامهم بالتحريض والاتفاق والمساعدة على قتل المتظاهرين السلميين إبان ثورة 25 يناير، وإشاعة الفوضى في البلاد وإحداث فراغ أمني فيها.. كما حوكم مبارك ونجلاه علاء وجمال ورجل الأعمال حسين سالم بشأن جرائم تتعلق بالفساد المالي واستغلال النفوذ الرئاسي في التربح والإضرار بالمال العام وتصدير الغاز المصري إلى إسرائيل بأسعار زهيدة تقل عن سعر بيعها عالمياً.