تتركز في ذاكرتنا الجمعية صور نمطية معينة عن أفراد وجماعات، قد لا تقارب الحقيقة، شكلتها مصادر مختلفة بعضها غير حيادي أو موضوعي، ويتسبب ذلك في سوء فهم متبادل ومزمن على مر الأيام. الصورة النمطية هي الفكرة الجازمة المتصورة عن الشيء في إطار وقالب معين، وغالباً ما تشكل أساس التحيز بين الشعوب، وعادة ما تستخدم لتفسير حقيقي أو وهمي للخلافات بينها، بسبب الدين أو الجنس أو العرق أو الثقافة أو الطبقة الاجتماعية والاقتصادية. وعرفتها الأستاذة إرادة الجبوري بأنها «حكم قيمة -سلبي أو إيجابي- بالغ البساطة والتعميم يقترن بفئة من الناس (قومية، ديانة، جنس، جماعة معينة.. إلخ) متجاهلاً الفروق الفردية بين أعضاء تلك الفئة، ويصعب تغييره في معظم الأحيان». وكأي مجتمع آخر، تنتشر في أوساطنا المحلية صور نمطية عن بعضنا بعضاً ترسخت في الأذهان، ويتم الترويج لها وتدويرها بشكل واسع مع أنها ليست صحيحة أو دقيقة، وأصبحت سبباً في إنتاج مواقف متشنجة وخلافات متجددة. فالصور النمطية في ذهن كل واحد منا تجاه أبناء منطقة ما، أو أبناء قبيلة معينة، أو أتباع مذهب معين تكاد تكون سائدة ومتعارفاً عليها بين الجميع، مع أنها في كثير من الأحيان مشوشة وليست دقيقة أو لا تعبر عن واقع هذه الفئة. لعل من أبرز انعكاسات حالة التنميط هذه ما يرتبط بالنظرة الاجتماعية السائدة، وما يترتب على الصور النمطية المغلوطة من سوء فهم وعدم انسجام في العلاقات الاجتماعية، ووضع محددات وحواجز بينية في العلاقات الاجتماعية. وفي الجانب القانوني، يكون للتنميط تأثير على سير العدالة وتطبيق القانون، حيث إن الصورة النمطية تكون هي الحاكمة في طريقة تعامل الجهات التنفيذية للأنظمة مع مختلف الفئات، وكذلك حتى في أحكام القضاء أحياناً. أما في الممارسة السياسية، فإن التنميط يوجه كأداة في الصراع السياسي لإلغاء وإبعاد الخصوم عن المشهد العام وشيطنتهم عبر تأكيد صور نمطية معينة. يتحول التنميط واستمراريته إلى سياسة قائمة يستفيد منها المتنفذون وأصحاب المصالح ومراكز القوى، ولذا فإنهم لا يسهمون بأي صورة من الصور في معالجة الصور النمطية، مع العلم بخطورتها على المجتمع الواحد. ومن أجل المعالجة فإن هناك عدة أطراف لها علاقة بتصحيح الصور النمطية في المجتمع: الدولة بصفتها صاحبة الإمكانات والمسؤولة عن إيجاد بيئة سليمة وآمنة اجتماعياً عبر توجيه وسائل الإعلام للتعريف المحايد والسليم بمختلف المكونات والفئات. المجتمع الأكبر وأفراده مسؤولون أيضاً عن التعرف المباشر على بعضهم بعضاً لتشكيل مقاربة معرفية واضحة عن طبيعة وأنماط السلوك والعادات والتقاليد والتصورات لدى الآخرين. كما أن كل فئة من المجتمع مسؤولة عن التعريف بنفسها ومواجهة التصورات الخاطئة التي رُسمت حولها.