الدعارة ليست اختصاصا مغربيا.. هذا ما قاله بكل غضب وزير الإعلام المغربي ردا على ما تضمنته إحدى المسلسلات المصرية من مشهد داخل ملهى ليلي يصور تنافس مصري مع شخص خليجي على فتاة مغربية يظهرها المسلسل كبائعة هوى!. بل وتحدى الوزير إن كانت الدعارة فقط اختصاصا مغربيا! لا يشارك المغرب فيها آخرون!! ويبدو أن المرأة المغربية كانت ضحية رمضان هذا العام بامتياز! فقد تكررت الإساءة إليها مرة أخرى وإظهارها بصورة نمطية ربما شائعة بين العرب - وان كان هذا الشيوع - بالطبع لا يبرر صحتها!. وهذه المرة في مسلسل كرتوني كويتي شهير، أظهر المرأة المغربية في صورة من تتعامل بالسحر بقصد الزواج من الكويتيين!. مما استفز الإعلام الرسمي والشعب المغربي بأكمله ذلك الاستفزاز والغضب الذي ربما لم يفلح معه اعتذار وزارة الخارجية الكويتية وقناة الوطن التي عرضت المسلسل! لتنهمر التعليقات والتنديدات التي لم تفلح الاعتذارات في امتصاصها وتهدئة نفوس أصحابها. ولكنها في نفس الوقت أثمرت عن حملة "مغربية وأفتخر" والتي أشارت إحدى ناشطاتها إلى أن الحملة تهدف إلى تصحيح الصورة النمطية السلبية للمرأة المغربية ومحاربة الإساءة المشرقية العربية لها! وتبيان أن هناك نماذج مشرفة ومشرقة للمرأة المغربية ونسوة رائدات يستحقن الاحترام والتقدير وأن يكن قدوة لكافة النساء العربيات. وبعيدا عن الإساءة للمغرب.. والتي أوردتها هنا كمثال حي وقريب لمدى تأثير الصور النمطية سواء على الأفراد الذين يتعرضون لها ويكونون ضحية لها!. بل وحتى جاوز التأثير.. الى التوتر والتصعيد على مستوى الحكومات والمؤسسات الرسمية. ما أود هنا التركيز عليه هو مفهوم (الصور النمطية) والذي عنيت به أبحاث علم النفس الاجتماعي وان كان من حيث التداول والتعاطي فالإعلام له النصيب الأوفر كما يعلق أحد باحثي علم النفس الاجتماعي ساخرا!. إلا أن لتعاطي الإعلام بكافة أشكاله ما يبرره اذا ما عرفنا أن (ليبمان) الذي هو أول من أدخل مفهوم الصور النمطيةStereotype الى علم النفس، كان صحفيا، بل إن المصطلح الانجليزي جرى اشتقاقه من عالم الطباعة إذ تشير الكلمة إلى قالب يعد لطباعة الصحف ويصعب تغييره بعد صنعه! لكنه ليس بمستحيل!. وهكذا الصور النمطية التي يصفها (ليبمان) بأنها صورة معينة في أذهاننا تسمح لنا بتصنيف الأشخاص من حولنا. وبعبارة أخرى أن نحكم على الأفراد الذين ينتمون إلى جماعة معينة بأنهم يمتلكون خصائص متشابهة. مثال ذلك جميع السعوديين كذا.. جميع اليابانيين كذا.. فقط بمجرد ذكر فرد من جنسية معينة على الفور يرد في بال كل منا صفة وتصور معين له، يمثل ما يعرف بالصور النمطية. ولعل السؤال هنا لماذا الصور النمطية شائعة؟ بل تكاد تكون بمثابة عملية ذهنية نمارسها على مستوى يومي وعينا بذلك أم لم نع!. الإجابة تتمثل في ما يذكره العلماء من أن تصنيف الأشخاص إلى فئات عملية مفيدة وبالكاد يمكن تجنبها في حياتنا المعاشة، لا سيما أنها تساعدنا في تيسير تعاملاتنا مع البيئة الاجتماعية والفيزيقية المعقدة.. وتسهل من وظيفة العمليات العقلية في أذهاننا.. فهي تساعدنا في اصدار أحكام جاهزة وميسرة دون أن ننهك عقولنا بمزيد من البحث والاستقصاء. لكن الخطورة تنجم هنا من التصنيف المبالغ فيه والتعميم المفرط والحكم المسبق على الآخرين. عدا عن استخدامها كوسيلة لتبرير تعصبنا ضد جماعة ما وربما فوقيتنا عليهم!. والى اليوم يدور جدل بين العلماء عن واقعية الصور النمطية، فالبعض يجادل أن بعض الصور النمطية قد بناها الفرد منا على واقعة حقيقية عايشها مع الطرف الآخر"المنمط".. ولكن هنا هل يحق لي أن أعمم خبرتي مع فرد ما على جميع الأفراد الذين يشاركونه ذات الانتماء! بمعنى قد أتعرض للاحتيال من "س" من الناس وهو يحمل جنسية ما.. فهل يحق لي بعدها أن أصف جميع أبناء جلدته بأنهم سيئون؟ أو محتالون؟! ولعلي أورد هنا ما ورد في القرآن من إشارة لطيفة وعميقة - عبرت ذهني أثناء كتابة المقال - قد تتقاطع ما أود التأكيد عليه من عدم التسرع في الأحكام والتعميم الذي يظلم مجموعة من الأفراد. يقول تعالى: ( ليسوا سواء من أهل الكتاب أمة قائمه يتلون آيات الله آناء الليل وهم يسجدون). وربما اختصر التنبيه المراد في عبارة مختزلة (ليسوا سواء). فأين كانت مشاعرنا أو خبراتنا أو اتجاهنا نحو انسان ما فلا ينبغي تعميمها أو أن نعتقد أنها بالضرورة هي نفسها مع غيره!. ولا يحق لنا تجاهل فردية الأشخاص واختلافاتهم. ويمكن تشبيه الفرد الذي يتبنى صورة نمطية ما عن شعب معين أو جنس معين الخ.. وكأنه يرسم الأفراد جميعهم بذات الفرشاة وبذات اللون!!. وغني عن القول أن في هذا ظلم وإجحاف كبير!. لعل من الصعب أن نتخلص من تأثير الصور النمطية علينا خصوصا اذا لعب الإعلام لعبته فيها بذكاء! والذي يعتبر اليوم من أكثر المصادر لتشكيل الصور النمطية وتعديلها وتوظيفها!! وكما يقول "ماهزارين باناجي" أستاذ علم النفس بجامعة هارفرد وأحد الرائدين في أبحاث الصور النمطية والتحيزات الاجتماعية (أننا لا نختار الصور النمطية، بل أحيانا تجد نفسك مدفوعا لذلك، ففي أمريكا مثلا نجد أنه للأسف يتم ربط الصفات الجيدة بالبيض والصفات السيئة بالسود! كل ما حولك يقول ذلك! افتح الجريدة..اقلب محطات التلفاز! لا يمكنك الفرار من ذلك!). ولكن اجمالا الأمر يستحق منا أن نأخذ الصور النمطية على محمل الجد والاعتراف بتأثيرها الكبير وأن نقوم بخطوات فعالة لإدارتها ومحاولة السيطرة عليها أو تحجيم تأثيرها قدر الإمكان!. لا تكريسها وتعزيزها! ولعلي أورد هنا ما يذكر من غضب اليهود إلى اليوم على الأديب شكسبير وبالتحديد مؤلفه (تاجر البندقية) والذي يظهر فيه اليهودي بصورة الشخص الجشع والمرابي والمحتال! وما ينادون به من تغيير الصورة النمطية لليهودي في التراث الأدبي العالمي وفي العالم إجمالا!. نقطة أخيرة لفتت نظري في ذات المشهد الذي ذكرته في بداية المقال والذي ظهرت فيه الفتاة المغربية وظهر معها شخص يمثل أهل الخليج بلكنته ولباسه! وهو يبدد المال بلا حساب ومحاط بعدد من الفتيات! بل تكرر ظهور ذات الصورة للفرد الخليجي الساذج والمسرف والمهووس بالنساء في مسلسلات كثيرة! ولم نجد غضبا أو استهجانا! لماذا يا ترى؟ هل السكوت هو موافقة ضمنية بأنهم فعلا كذلك؟ أم أن رجال الخليج من ناحية أخرى لا يزالون يكرسون هذه الصورة النمطية عنهم بممارساتهم أثناء سفرهم؟!. لا أعرف صدقا ولكن أيا كان هذا الأمر لابد من عدم اغفاله..مثله مثل كثير من الصور النمطية في إعلامنا ومناهجنا.. سواء فيما يخص شعبا معينا أو حتى جنسا معينا كالمرأة مثلا ولعل الحديث يطول فيما يخص الصور النمطية للجنسين.. وهل لأحد منا أن ينسى عبارة من قبيل (هو يقرأ....وهي تطبخ)!. *قسم علم النفس"علم نفس اجتماعي"/ جامعة الملك سعود