بدوزنة جميلة تصغي إلى تنفّس التّاريخ ببطء… بتؤدة الوقتِ الذي يحدث موسيقاه خارج إيقاعه الاعتياديّ، استدار مهرجان البحرين الدّوليّ للموسيقى 22 مساء اليوم الأربعاء إلى جغرافيّة إقليم القوقاز، وتحديدًا إلى مراكز الثّقافة في شمال أفريقيا والشّرق الأوسط وغرب ووسط آسيا. وجاءت أذربيجان لتتقاسم مع منامة السّياحة أكثر من 1000 عامٍ من تلك الثّقافات والحضارات برفقة الفنّان عليم قاسيموف وابنته فرغانة مع رباعيّ من العازفين الشّباب الذين قدّموا للجمهور أغنيات من الرّوح وألحان قديمة آذريّة روحانيّة تُشتَهر باسم المقام. ومن حيواتٍ كثيرة مرّت، ومن تاريخٍ لا يغيب، ولا يزال قيدَ الأملِ والموسيقى، بدَت الشّعوب البعيدة وكأنها تسترجع صوتها وحكاياها ورحلاتها من خلال الأغنيات والمقامات العاليّة في حنجرة قاسيموف وابنته ذات الصّوتِ الرّائع، واتّجهت سياقات الألحان والإيقاعات إلى روحانيّة مفرطة انسجمت فيها الأغنيات الشّعريّة مع الحالة الصّوفيّة العامّة، حيث اعتمد أداء قاسيموف على الكلاسيكيّة القديمة التي انتشرت على مدى قرون في منطقة القوقاز وآسيا الوسطى، متداخلاً مع صوتِ ابنته فرغانة بجماليّة فريدة وروحٍ عائليّة اعتنقت الثّقافات الآذريّة والخصوصيّة الرّوحانيّة الصّوفية. وقد تمكّن الاثنان من تلبّس الحالة فكان الإيقاع متسلسلاً ما بين النّموذج الموسيقيّ المتأصّل وبين الخامّة الشّابّة الجاهزة للصّقل. قدّمت عائلة قاسيموف من خلال هذا الحفل مجموعة من قصائد الحُبّ والمغنى الصّوفيّ ذي البعد الفلسفيّ والرّوحانيّ في مجاورة للألحان الفلكلوريّة، ومثّلت في تكوينها مزجًا فنّيًّا راقيًّا ما بين الإرث العربيّ، الفارسيّ، التّركيّ الذي أودعته الحضارات والشّعوب في إقليم القوقاز، والذي يتجلّى في الأغاني الشّعبيّة التي يتغنّى بها الشّعراء المعروفون باسم (العاشقين). موسيقى هذا المساء هي رابع حفلات مهرجان البحرين الدّوليّ للموسيقى 22، وقد جسّدت درسًا تأريخيًّا يشرح الألحان القديمة ويستعيد تردّد الثّقافات المتلاحقة، حيث يمثّل هذا الحفل جزءًا من مشروع لمبادرة الآغا خان للموسيقى ضمن برنامج مؤسّسة الآغا خان للثّقافة. تجدر الإشارة إلى أنّ قاسيموف قد حاز في العام 1999م على جائزة المؤدّين التي يمنحها مجلس الموسيقى الدوليّ التّابع لليونسكو تقديرًا لعطائه الفنّيّ الكبير ومسيرته الحافلة التي عَمِلَ فيها مع أسماء فنية لامعة مثل:يويو ما وفرقة طريق الحرير، متنقّلاً بين شعوب العالم، وناقلاً إليهم فلكلور وطنه الأمّ في حوار ثقافيّ موسيقيّ بديع. الشرق | المنامة