دقائق شديدة الخصوصية والسحر، تحرّر فيها الجسد من سيطرته ونزقه، والعقل من تسلطه وقسوته، والقلب من نبضه ودقاته في رحلة مدهشة إستطاع فيها الهنغاري ميلان بيوفيتش بموسيقاه العابرة للزمن وألحانه الملونة الكرنفالية، إمتاع الجمهور الذي إحتشد لسماعه في الإسكندرية، وتفاعل بحماسة وحيوية مع الأنغام. لم تكن الموسيقى التي صاغها ونقحها وولّفها وقدمها، مجرد أنغام وإيقاعات متمازجة للثقافات الأورومتوسطية، بل كانت متلاحمة مع عالم أثيري فريد من الأساطير القديمة والرموز الروحية العميقة، فحوّل حركات وإيقاعات وإيماءات وأحاسيس واحتفالات وألوان وكرنفالات لأفكار إنسانية موسيقية متقدة خلاقة. يقول بيوفيتش:» تعمّقت منذ وقت طويل في الديانات والثقافات والفنون والرموز لمختلف الشعوب، وتأثرت بشدة بالشامانية (shamanism) والكونية (universalism) والطاوية (Taoism) والصوفية (Sufism) والتبتية (Tibetan)، وكتب الموتى الفرعونية، والبوذية (Buddhism). كما شدتني الحكايات الخرافية والأساطير الكونية وساقتني إلى أنماط موسيقية فريدة لا يمكن إلا أن أصفها بمغامرة لتحرير الوعي، فتأخذه إلى أشكال مختلفة من العمق والتأمل وأحلام اليقظة». ويضيف: «غيّرت هذه الثقافات والعلاقات كثيراً من مفاهيمي وأفكاري العقائدية وحررتها، فأصبحت الموسيقى بالنسبة إلي فلسفة يمكنني من خلالها التعرف على النفس البشرية للجمهور المتلقي. فموسيقاي هي رحلة للبحث عن صوت أرواحنا الإنسانية المشتركة، ومن خلال الموسيقى اسعى الى ايقاظ وعينا الجماعي للحفاظ على ماضينا الثقافي العالمي المشترك. فالسلّم الخماسي، الطبول، القوس، الحكايات، طقوس التضحية، والرقص، أيقونات شديدة الخصوصية تميز كل قارة. كلها أشياء يجب أن تتحاور وتتلاقى وتنبذ الصراع، وواجبنا الاهتمام بها والحفاظ عليها لأنها ثروتنا التي نقدمها للأجيال القادمة» . وبيوفيتش باحث مجتهد وفنان طموح طوّر قدراته الإبداعية جيداً وامتلك الحرفية التي مزجها بكل أحاسيسه الانسانية، وأوغل باحثاً عن أنغام افريقية وآسيوية واوروبية، وتجول شرقاً وغرباً مدوناً التراث الشعبي لتلك الاغنيات من منبعها مباشرة. وموسيقاه مزيج لا مثيل له من أنماط مختلفة، الجاز الممزوج بالموسيقى الشرقية والروك والموسيقى الشعبية، وعناصر من الموسيقى الحديثة والإلكترونية. كل ذلك بطريقة فريدة... قدم أكثر من 1500 حفلة في أنحاء من العالم.