بروكسيل - أ ف ب (خدمة دنيا) - أطلق موسيقيون عراقيون مهاجرون مشروعاً طموحاً يسعون من خلاله إلى «إعادة البريق» إلى المقام العراقي، عبر سلسلة من الأعمال الموسيقية تغطي 53 مقاماً، على أمل أن يساهم تقديمه بروح معاصرة في «إعادة لحمة الشعب العراقي»، كما قال نصير شمّة، أحد الشركاء في المشروع. وجاءت فاتحة أعمال سلسلة المقام العراقي على مسرح «بوزار» العريق في بروكسل، حيث اجتمع ثمانية موسيقيين عراقيين، كانوا في معظمهم زملاء دراسة في معهد الدراسات الموسيقية في بغداد، الذي يعنى بتدريس أصول المقام العراقي، قبل أن يصبحوا أساتذة في هذا النوع الموسيقي. ولم تغب تقاليد المقام العراقي عن الحفلة، إذ وقف الموسيقي والعازف أنور أبو دراغ، محاطاً بزملائه، لينشد ما يحفظه العراقيون عن ظهر قلب من أغنيات المقام الشهيرة، كما قدم أغنيات جديدة كتبها ولحنها شمّة، معتمداً على تراث المقام. ويدرك أبو دراغ، وهو أستاذ آلة العود أيضاً، حجم التحدي. فالحفلة سجّلت وستوزع في الأسواق باعتبارها الأسطوانة الأولى من سلسلة أعمال «ستمتد لسنوات»، كما يؤكد. ويعتبر المغني المقيم في بلجيكا أن هذا التحدي يمثل «العودة إلى ثقافتنا... والجميع يحتاج إلى أن تُرى الثقافة العربية بوجهها الآخر». ويعود هذا التراث العراقي الآن بصياغة جديدة، وقد كرّر شمّة اسم «الملا منفي» مرات عدة. فالعديد من أغاني المقام العراقي التي قدمها الموسيقيون كتبها هذا الشاعر، خلال النصف الأول من القرن العشرين. لكن شمّة كان أحياناً يذكر الاسم وأن القصيدة ستقدّم في لحن جديد، كما فعل عند تقديم الأغنية الأولى «حالة وجد»، أو يعلن تقديم «إضافات موسيقية» للألحان المعروفة، كما في لحن الأغنية الشهيرة «فوق إلنا خلّ». ويوضح العازف، الذي لمع بفضل مؤلفاته التي حملت روح التجديد على آلة العود، أن جانباً من المشروع يصبّ في «إعادة أغاني الحب القديمة»، ولو بلغتها القديمة وكلماتها المباشرة، مؤكداً أن إطار التقديم هو «شكل معاصر للأغنية العراقية الكلاسيكية، في إطار الحفاظ على شكل فني عمره أكثر من 1400 سنة». إنقاذ المقام من الجمود ويذهب وسام العزاوي، عازف السنطور العراقي، إلى جوهر القصة. فهو، كشريك في المشروع، يقول إنه ينطلق من واقع أن المقام العراقي بلغ حالة من الجمود، «فالناس يعرفونه، لكننا نريد تقديمه في شكل معاصر مبني على معرفة أكاديمية، كي يتعايش وحاضرنا، ولا يملّه الناس». في حديثهم عن تراث المقام العراقي، يختصره الموسيقيون معتبرين إنه نوع موسيقي «ثقيل»، ويقول أبو دراغ: «نعم، المقام ثقيل، لكننا عندما قدمناه في الحفلة تغيرت الموسيقى والايقاعات، فالهدف أن نقدمه برؤية تصل إلى شباب اليوم». إلى جانب العازفين الثلاثة، هناك علاء مجيد (الناي)، صفاء غريب (الرق)، فرات القريشي (الطبلة)، ناجي ناجي (العود) ومحمد نعمة (آلة الجوزة). وقبل تأدية إحدى أغاني الحفلة، التي أتت في إطار مهرجان «موسم» الثقافي، قال شمّة إنها مهداة إلى فنان يُعتبر من رموز المقام العراقي، وكان رافق المطرب الشهير ناظم الغزالي على آلة القانون، مضيفاً أن الفنان سالم حسين حاضر بين الجمهور، فوقف سالم حسين محاطاً بالتصفيق. ولم ينس شمّة أن يلفت إلى أن المقام العراقي وصل إلى الجمهور العربي بفضل ناظم الغزالي، موضحاً أن المقام كان في حالة «سبات» قبل أن يعطيه الغزالي «توهجاً ولمعاناً».