الدمام – محمد المرزوق «النقد الدولي» يشجع سياسات «السوق» ويتجاهل آليات حماية الفقراء. المملكة تستهلك من الطاقة محلياً ما يوازي استهلاك القارة الإفريقية. المجدوعي: مبيعات السيارات لن تتأثر.. ولدينا خطط بديلة لخفض تكلفة الوقود. الغدير: بطاقات الدعم لبعض الشرائح تقلل مخاطر التهريب وتضرر الفقراء. لا يعترف صندوق النقد الدولي بالقضايا الإنسانية، ولا يلقي بالاً إلى طبقة الفقراء في الدول، وكانت أغلب نصائحه ووصاياه أو شروطه في منح القروض لدول العالم، تأتي على حساب هذه الطبقة أولاً، ثم تطال الطبقة المتوسطة لتلحقها بطبقة الفقراء. وعادة ما تنال وصايا وشروط «الصندوق» تقليص الإنفاق العام ورفع الدعم عن بعض السلع الخدمية، وزيادة الضرائب أو تخصيص قطاعات عامة. بعض الدول تجد ذاتها مضطرة لقبول الشروط، لحاجتها إلى قرض من «الصندوق»، فيما لا تلتفت دول أخرى كثيراً إلى هذه النصائح، لعدم حاجتها إلى قرض منه، أو لعدم قناعتها بنصائح «الصندوق» ووصاياه، إضافة إلى امتلاكها حلولاً تراها ملائمة أكثر لشعوبها، وخاصة الطبقات المتوسطة والفقيرة، كما تجد في طرق الدعم المختلفة وإن كانت مؤقتة، سبيلاً للحفاظ على استقرارها الأمني والاجتماعي، إلا أن هذا الأمر لا يخلو من مخاطر اقتصادية تظهر على المدى القريب والبعيد، ومن بين المخاطر التي يشير إليها الاقتصاديون تنامي ظاهرة جريمة تهريب بعض السلع إلى خارج الدولة، مثل تهريب الوقود «بنزين، ديزل»، أو تهريب بضائع مدعومة مثل «القمح». نصائح بلا حلول وطرق «الصندوق» قبل نحو أسبوعين أبواب الاقتصاد السعودي، موجهاً نصائح لا تختلف عن نصائحه إلى دول أخرى في المنطقة كالأردن واليمن، وتمثل أبرزها في رفع الدعم عن «الطاقة»، أي رفع الدعم الحكومي عن البنزين والديزل والغاز، ومعاملتها كسلعة خاضعة للعرض والطلب وضمن منطق السوق العالمي، وذيّل «الصندوق» وصيته بتعاطف جاف مع الفقراء، حيث جاء فيما تناقلته وسائل الإعلام عنه «أن زيادة أسعار الوقود لها تأثير سلبي على الفقراء والفئات الضعيفة»، ورغم ذلك «حث السعودية على اتخاذ تدابير تعويضية لهذه الفئة»، دون تقديم أي توضيح حول هذه التدابير. ولا يعني اعتراف الصندوق بتأثر الفقراء من هذه الخطوة تراجعاً عن نصائحه للدول، وإنما هذا التأثير مجرد عقبة في سبيل دعم ميزانية الدول بمزيد من الدخل. خريطة استهلاك الطاقة وتعد المملكة واحدة من أعلى بلدان العالم في استهلاك الفرد للطاقة، ثاني أقل دولة في أسعارها، وثالث بلد في رخص أسعار منتجات البنزين بعد إيران وفنزويلا، وفقاً لما يراه خبراء اقتصاديون بحسب مجلة «بيزنس ويك الأمريكية» في تقرير لها نشر عام 2008م.. وتستهلك المملكة نفطاً يوازي ما تستهلكه قارة إفريقيا، فيما لا يعادل سكان الخليج إلا 5% من سكان القارة الإفريقية. وتشير تقارير إلى أن «دعم الوقود في المملكة يستنزف 40 مليار ريال سنويا»، فيما ذكر تقرير «دعم الطاقة» الصادر من الأممالمتحدة أن «المملكة تدعم الطاقة ممثلة في الكهرباء والوقود ب 163 مليار ريال سنوياً، ما يشكل نحو عشر الناتج القومي». وينطلق صندوق النقد الدولي محذراً من استمرار الدعم للطاقة، وأشار إلى أن دعم الطاقة والاستهلاك السريع الناتج عن انخفاض الأسعار، سيؤديان إلى فقدان المملكة 20% من الناتج المحلي خلال خمسة أعوام، فيما سيعزز رفع أسعار الوقود ميزانية الدولة العامة وزيادة الإيرادات بشكل كبير»، دون أن ينسى في تحذيره «الفقراء الذين سيعانون من رفع الأسعار». سلبيات رفع سعر الوقود ويذهب اقتصاديون إلى أن الخيارات أمام المملكة مفتوحة في حال اتجهت إلى رفع الدعم عن الطاقة، ومن بين مقترحاتهم اعتماد زيادة مبرمجة للأسعار ورفع الدعم جزئياً، وتعويض المواطن بشكل مباشر عبر إيداع مبالغ مالية في حسابتهم تحسباً لعدم استفادة المقيمين أو المهربين من الدعم، ومن بين المقترحات توزيع كوبون دعم لشرائح مستهدفة. لكن من سيتحمل رفع الدعم غير المواطن؟ لا أحد. وفي هذا الصدد، يرى مراقبون أن قرار رفع الدعم لن يؤثر على مبيعات السيارات، وهي الوسيلة الأولى للتنقل في المدن وخارجها، في ظل غياب واضح للنقل العام. كما سيدفع المواطن الزيادة في سعر البضائع الناتجة عن زيادة سعر وقود الشاحنات الناقلة للبضائع، خصوصاً أن قضية رفع الدعم لا تقتصر على ترشيد استهلاك الوقود، وإنما يمتد تأثيرها إلى رفع أسعار السلع الاستهلاكية الأخرى، كما حدث مع فرض ضريبة ال200 ريال على كل مقيم، حيث ساهمت في رفع جزئي في أسعار خدمات أخرى، تحملها المواطنون والمقيمون على حد سواء. تعاظم سلبيات الدعم د. عبدالعزيز الغدير ويشير المحلل الاقتصادي الدكتور عبدالعزيز الغدير بوضوح إلى أن سياسية صندوق النقد الدولي واضحة في عدم دعم السلع الاستهلاكية، وعادة ما يفضل الصندوق سياسة اقتصاد السوق وترك الأسعار للعرض والطلب، إلا أن دولاً كثيرة، من بينها دول صناعية، لا تأخذ بسياسة «الصندوق». ويذكر أن دولاً، مثل المملكة، تدعم الوقود وغيره من السلع الاستهلاكية. ويبين أن الصندوق يحذر من استمرار الدعم، خصوصاً إذا لاحظنا أن دول الخليج تستهلك نفطاً يوازي في كميته ما تستهلكه قارة إفريقيا، فيما سكان الخليج لا يمثلون إلا 5% من سكان إفريقيا. ويرى الغدير أن دعم الوقود وبعض المواد الأخرى يُحفِّز الاستهلاك، إذ إن توافر السلع بسهولة مع دعمها يزيد من استخدامها. ويعتقد أن سلبيات سياسة دعم الوقود في المملكة هي الأبرز على مستوى الخليج، حيث تعد ثاني أقل دولة في العالم في أسعار الوقود، وما زالت مشكلة الدعم تتعاظم مع الزمن. ويضرب مثالاً بما يحدث في جمهورية مصر العربية، ويقول إن الحكومة المصرية بدأت الدعم منذ ثلاثين عاماً، والآن تستهلك 30% من موازنتها العامة في الدعم، مع ملاحظة زيادة عدد السكان طوال السنوات الماضية، والفارق بين سعر السوق العالمي والمحلي، ما يعني تضاعف الحاجة للدعم بشكل متسارع. بين نارين! يقول الغدير أعتقد أن الحكومة السعودية بين نارين، بين دعم السلع للتخفيف عن المواطنين وبين مشكلة تنامي الاستهلاك غير المحسوب، مضيفاً أن الحكومة تعلم منذ سنوات أن سياسة الدعم حفزت الاستهلاك، ويلاحظ ذلك في استهلاك المياه والكهرباء والمحروقات والدقيق. ويذكر أن الدعم أفرز ظواهر غير جيدة، منها استغلال بعضهم للدقيق المدعوم كعلف للحيوانات، نظراً لتقارب سعره مع سعر الأعلاف، كما أن دعم الوقود أدى إلى ظهور جريمة تهريبه من المملكة إلى الدول المجاورة للاستفادة من فارق السعر. ومن جانب آخر، يرى الغدير أن الحكومة تملك هدفاً وتسعى إلى تحقيقه، ويتمثل في جعل تكلفة المعيشة الأقل في المنطقة. ويرى أن ذلك بدا واضحاً في مقاومة زيادة المرتبات والدخول، وعدم مواكبة رفع أجور العاملين في القطاعين العام والخاص في دول الجوار، كقطر والإمارات والكويت، مبيناً أن المملكة لديها تحدٍ في خفض تكاليف المعيشة، إلا أن ذلك لا يمنع من وجود تقلبات اقتصادية. ويشير إلى ما شهده قطاع العقار في السنوات الثلاث الماضية، حيث تضخمت أسعار العقار إلى نحو 200%، ما أدى إلى ارتفاع الإيجارات وتكاليف المعيشة. رفع جزئي للدعم ومن المعروف أن أغلب الوقود المدعوم من الحكومة يذهب إلى الكهرباء والمياه وبعض المواد الغذائية ومحروقات السيارات (بنزين، ديزل)، ويقترح الغدير أن المملكة في حال اتجهت إلى رفع الدعم، فإنها تملك من الخيارات كثيراً، ويمكنها أن تحول الدعم المباشر من الوقود إلى جيوب المواطنين المحتاجين للدعم. ويضرب مثالاً على ذلك باتباع سياسة رفع الدعم الجزئي وفي الوقت ذاته تعويض المواطن بشكل مباشر، مثل تحويل مبالغ إلى حسابات المواطنين المحتاجين للدعم (كما يحدث مع تحويلات وزارة الشؤون الاجتماعية)، حتى لا يستفيد المهربون من الدعم وقصره على فئة المحتاجين له. ومن المقترحات اعتماد «بطاقات دعم» لشرائح معينة، وأقرب مثال على ذلك «برنامج حافز» حيث يتجه إلى دعم فئات معينة من المجتمع. ويؤكد أن رفع الدعم دون تعويض للمواطنين سيجعلهم ضحية لارتفاع تكاليف المعيشة، مبيناً أن أول المتضررين هم الفقراء. ويتفق الغدير مع ما توجه إليه صندوق النقد الدولي، من أن استمرار سياسة الدعم ستحول المملكة إلى مصر أخرى، ويفضل لحل هذه العقبة أن الدعم ضروري ولكن يجب توجيهه وقصره على سلع محدودة وفي فترة مؤقتة، وأن لا يكون دعماً شاملاً بل لفئات محددة. قطاع السيارات لن يتأثر يوسف المجدوعي ورغم أن نصيحة رفع الدعم عن الوقود تطال قطاع السيارات بشكل مباشر، خاصة أنها الوسيلة الوحيدة في التنقل داخل المدن وبينها، في ظل غياب قطاع النقل العام (حافلات، قطارات)، لا يجد نائب رئيس لجنة السيارات يوسف المجدوعي أي تأثير على مبيعات السيارات لو رفع الدعم عن الوقود، ويعزز رؤيته في غياب البديل عن السيارات، والمتمثل في النقل العام. ويقول في حال أنجزت ونفذت مشاريع النقل العام داخل المدن، حينها ستتأثر مبيعات السيارات في المملكة. وفي جانب آخر، يوضح المجدوعي أن شركات السيارات احتاطت لهذا الأمر مبكراً، حيث سعت الشركات ولا تزال في تصنيع محركات تستهلك وقوداً أقل، سواء من حيث صناعة محركات صغيرة أو ذات تقنية تجعلها تستهلك وقودا أقل. ويذكر أنه في حال رفع الدعم عن الوقود، ستراعي الشركات الأمر أكثر، وستضعه ضمن أولوياتها. ويفصل الأمر في الوقود، حيث إن السيارات ذات الاستخدام الشخصي وبعضا من سيارات النقل الخفيف تستخدم البنزين، وهي التي ستتأثر أكثر فيما السيارات التي تستخدم الديزل (الشاحنات) لن تتأثر كثيرا، حيث سيدفع المستهلك النهائي قيمة أي ارتفاع في أسعار النقل. أعباء تطال المستهلك النهائي ويفرق رئيس اللجنة الوطنية للنقل المهندس طارق المرزوقي بين نوعين من النقل، النقل البري والبحري، ويقول إن النقل البحري لن يتأثر بأي تغييرات في سعر الوقود داخل المملكة، حيث يتم التعامل مع وقود البواخر ضمن التسعيرة العالمية، سواء أخذت وقودها من المملكة أو غيرها. وفيما يتعلق بالنقل البري، يوضح أن الشاحنات تستخدم الديزل كوقود لها، ولو رفع عنه الدعم فإن الذي سيتحمل ذلك هو المستهلك النهائي. ويقول إن المملكة الأقل سعراً في الوقود بين دول العالم، مبينا أن الشركات العاملة في النقل الداخلي سعودية، ودعم الديزل مفيد لها، وخاصة مع ما واجهته من فرض زيادة على نفقات تجديد إقامات المقيمين. ويعتقد أن الحل، في حال رفع الدعم عن الوقود، يكمن في النقل العام، الذي سيساهم أيضا في تخفيف الزحام، وتقليل استهلاك الوقود. معدلات إنتاج واستهلاك الوقود (وفق إحصاءات 2011م):