في السعودية، ثمة تململ غير معلن من تزايد استهلاك النفط محلياً، ووصول معدل الاستهلاك إلى ما يقارب أربعة ملايين برميل يومياً، إضافة إلى تهريبه إلى دول الجوار. في أواخر العام الماضي نشر «سيتي غروب»، و «تشاتام هاوس»، تقريرين ملخصهما ان السعودية ستتوقف عن تصدير النفط بحلول 2030، إذا استمر الاستهلاك المحلي يتزايد بمعدله المرتفع حالياً عند سبعة في المئة سنوياً. وعلى رغم عدم تعليق الحكومة السعودية رسمياً على التقريرين، بدأ التململ يظهر واضحاً أخيراً في أحاديث بعض المسؤولين ومقالات بعض الاقتصاديين. مثلاً، قال وزير الاقتصاد والتخطيط محمد الجاسر، في كلمته في مؤتمر «يوروموني» في الرياض أخيراً ان «الدعم الذي تقدمه الحكومة، خصوصاً إعانات الوقود، يعوق زيادة مستوى إنتاجية الاقتصاد والحكومة تحاول معالجة الأمر». أما عضو مجلس الشورى الخبير الاقتصادي فهد بن جمعة فكتب في صحيفة «الرياض» مقالة بعنوان «دعم الطاقة الخطر القادم»، طالب فيها صراحة برفع أسعار الوقود محلياً، وختم بالقول ان «السلعة الرخيصة لا تحترم، فأوقفوا نزيف استهلاك الطاقة فخطره كبير». وفي ما يخص التهريب، فالأمر لا يحتاج إلى كبير جهد، فثمة صهاريج كبيرة تدخل إلى دول مجاورة بديزل مخلوط بزيوت مستعملة (مسموح تصديرها)، ليعاد فصله هناك ويباع كديزل نقي. وعند حدود السعودية مع دول مجاورة يقف باعة جوالون وينادون: «بنزين سعودي». اقتصادياً، يمثل كبر حجم استهلاك الوقود محلياً وتهريبه مشكلة، وهو ما يغري مسؤولين وكتّاباً اقتصاديين بالمطالبة برفع أسعاره محلياً. لكن هذا الرفع ان حصل، سيعني أكثر من مشكلة، للأسباب التالية: أولاً: ان رفع أسعار الوقود لن يتوقف على الوقود فقط، بل سيتبعه ارتفاع كلفة النقل، ما سيرفع أسعار كل شيء في السوق تقريباً، خصوصاً ان البلد يعتمد اعتماداً كلياً على النقل الفردي لمواطنيه وبضائعه. ثانياً: لا تتحمل الأحوال المادية لكثيرين من الناس مزيداً من رفع الأسعار، ولا تجوز مقارنة أسعار الوقود بين دولة وأخرى من دول الخليج بسبب فوارق ملموسة في متوسط الدخل. ثالثاً: لا يجوز تحميل المواطن مسؤولية تقصير أجهزة حكومية في مكافحة التهريب، فالحل يكون في تعزيز الجمارك وحرس الحدود ومنع تصدير الزيوت المستعملة. رابعاً: يتطلب خفض حجم الاستهلاك داخلياً تدابير رسمية، تشمل تعزيز شبكات القطارات وبناء شبكات مترو ووضع حافلات للنقل الجماعي في الخدمة. والأخيرة، وهي لا تكلف كثيراً، مقتصرة على شركة النقل الجماعي الحكومية التي تعاني سوء إدارة ولا تستطيع تغطية بلاد مترامية الأطراف. خامساً: إن ما يُستهلَك محلياً من النفط مبرر ومنطقي في ظل غياب البدائل أمام المواطن والوافد. فكل مواطن أو مقيم يحتاج إلى سيارة للانتقال إلى عمله، وكسب معيشته، والنقل يستهلك ما لا يقل عن 85 في المئة من إجمالي الوقود المستخدم داخلياً، ويبقى 15 في المئة للكهرباء، ولا يمكن مطالبة المواطن بإطفاء أجهزة التكييف في طقس تقارب حرارته 50 درجة مئوية. الخلاصة، ان تزايد استهلاك الوقود أمر منطقي، ومتوازٍ تقريباً مع نسبة نمو الناتج المحلي السنوي، وتزايد السكان من مواطنين ووافدين لا يجدون بديلاً عن النقل الفردي لكسب معايشهم. ولذا فإن على أجهزة الحكومة، قبل ان تقترح رفع أسعار الوقود، إيجاد بدائل تخدم المواطن أولاً، ولتبدأ على الأقل بتغطية البلاد والمدن بحافلات النقل الجماعي، وهذه لا تحتاج طول انتظار ودفع بلايين الريالات كما في حال شبكات المترو والقطارات، لكنها تحتاج إدارة فاعلة تتحرك بسرعة لحل أزمة النقل والازدحام. أما مشكلة التهريب فليست كبيرة، ولو منع تصدير الزيوت المستخدمة لانتهى التهريب تقريباً. عندئذ يمكن رفع الأسعار من دون التخوف من تداعيات. كاتب متخصص بالشؤون الاقتصادية - الرياض