يحتاج الأشخاص الناجحون دائماً لترتيب أولوياتهم، إذا ما أرادوا النجاح في برنامج أو مشروع معيَّن، كما أنهم بحاجة مُلحة لمعرفة الاتجاه الصحيح الذي يصرفون فيه أوقاتهم وطاقاتهم وجهودهم حتى يبلغوا مُناهم ومرادهم، كذلك هي المجتمعات الناجحة والقوية، وعندما نتحدث عن المجتمعات وعن تحديد أولويات محددة لمجتمع معيَّن، لا بد لنا من الحديث عن الأفراد والجماعات التي لها دور في تشكيل وبلورة هوية المجتمع ورأيه العام، رجال الدين والمفكرون والنخب المثقفة وأي فرد يصل صوته إلى عموم الناس يجب أن يضع في عين الاعتبار حاجة مجتمعه ومصلحته في المقام الأول. لا يخفى على أحد الدور الأيديولوجي الذي يلعبه رجال الدين والنخب الثقافية في إيجاد رأي عام لدى الشريحة العامة من الناس، لكننا غير مطالبين لا شرعاً ولا عقلا بقبول وتبني المواقف التي يتبناها بعض علمائنا ووجهائنا، وهذا لا يستنقص بالضرورة من احترام أو كفاءة أو نزاهة هذا العالِم أو ذاك، إنما هو اختلاف في موقف محدَّد تجاه قضية معيَّنة، وهذا لا يعني رفع راية العصيان والتمرد، فالأمر لا يتعدى كونه تبني رأي شخصي، بناء على ما تمليه علينا عقولنا وضمائرنا فالله كرَم بني آدم بالعقل. كارثة من كوارث هذا الزمن هي إضفاء الطابع المذهبي والطائفي على الأحداث في العالم العربي، وتحشيد الناس وتجييشهم على أساس طائفي، متناسين أن القضية سياسية بحتة، فياليت ما حدث في سوريا بقي في سوريا! ويا ليت ما حدث في مصر بقي في مصر! لكن بعض من يسمون دعاة ونخباً مثقفة في بعض دول الخليج والعالم العربي ساهموا بإيجاد حرب أهلية طائفية في سوريا وتصفية على الهوية، ليس هذا فحسب بل قاموا بجر هذه الفتنة إلى خارج سوريا مهددين بذلك السلم الاجتماعي وضاربين بعرض الحائط الوحدة الوطنية لأوطانهم. «بعد نهاية العملية الجراحية أعلن الطبيب لأهل المريض: «العملية نجحت، لكن المشكلة أن المريض مات». ينطبق هذا على نجاحات بعض القوى في صراعها الإقصائي المتبادل على حساب المجتمع والدولة»، لقد خسرت روح المريض، لقد فرَطت بما هو أهم وأولى وهو السلم الاجتماعي ووحدة أوطاننا.