لا يمكن أن يرضى طرفٌ -في أية عملية سياسية ديموقراطية- عن الطرف الآخر، سواء كان في سدة الحكم أو على دكة المعارضة!. وما حدث في مصر قبل أيام نظر إليه بعضهم على أنه مطلب شعبي تحوّل إلى عصيان مدني من أجل تغيير نظام الحكم القائم، الذي جاء للحقيقة عن طريق صناديق الاقتراع!. بينما نظر إليه بعضهم الآخر على أنه خروج على الشرعية ونزوع نحو الفوضى وزعزعة الأمن، وإن أيدته القوات المسلحة، وصدرت بحقه قرارات المحكمة الدستورية بضرورة تغيير رئيس الجمهورية بعد عام من انتخابه وتعيين رئيس جديد مؤقت هو «عدلي منصور» رابع رئيس لمصر خلال ثلاثة أعوام، بينما ظل «مبارك» رئيساً للبلاد لثلاثين عاماً؟. واعتبر الرئيس الجديد لمصر أن الشعب قام بتصحيح ثورة 25 يناير، ودعا الثوار إلى حماية الثورة بالبقاء في الميادين متطلعاً إلى إجراء انتخابات رئاسية مبكرة بإرادة شعبية حقيقية! في الوقت الذي ترددت فيه أنباء عن احتجاز الجيش الرئيس المعزول «محمد مرسي» لأسباب وقائية، كما طالت يد الاعتقال مجموعة من قيادات (الإخوان المسلمين) وأتباعهم ووصل عددهم إلى نحو 300 شخص. وكانت قد حدثت عدة صدامات دموية الأسبوع الماضي سقط خلالها أكثر من 35 شخصاً بين مؤيدين للرئيس السابق ومعارضين له. وحفلت وسائل الإعلام المصرية بتصريحات لشخصيات مصرية من أجل تشكيل حكومة «كفاءات وطنية» قوية وقادرة تتمتع بكافة الصلاحيات لإدارة المرحلة الحالية. جماعة «الإخوان المسلمين» أعلنت رفضها لما أسمته «الانقلاب العسكري» ضد الرئيس الشرعي، واعتبرت ما حدث هو «اغتصاب» للسلطة الشرعية، وأن الجماعة لن تتعامل مع السلطة المُغتصبة، في الوقت الذي عبّرت عن عدم استعدادها لحمل السلاح ضد الجيش. ويُعيد بعضهم إلى الأذهان حوادث تعامل العسكر في مصر مع «الإخوان المسلمين» إبان حكم الزعيم الراحل «جمال عبدالناصر»، وأن هنالك اتجاهاً دولياً لإعادة «الإخوان» إلى السجون من جديد، رغم أن عديداً من قادة العالم والأمين العام للأمم المتحدة قد طالبوا بضرورة العودة إلى الحكم المدني بأسرع وقت، لتلبية تطلعات الشعب المصري. وكان الرئيس الأمريكي «باراك أوباما» -الذي سرت اتجاهات بأنه من مؤيدي حكم «الإخوان» في مصر- قد دعا إلى إجراء انتخابات سريعة لاختيار حكومة جديدة، معرباً في ذات الوقت عن «قلقه» العميق إزاء إزاحة الجيش للرئيس المصري وتعليق العمل بالدستور!. كما كان موقف الاتحاد الأوروبي مماثلاً، إذ دعا إلى العودة السريعة إلى العملية الديموقراطية، بعد إجراء انتخابات رئاسية جديدة. وكان موقف تركيا مغايراً، إذ اعتبرت تدخل الجيش لإزاحة الرئيس «مرسي» لم يأت نتيجة إرادة شعبية؟. «كنا قد شاهدنا ملايين المصريين على الشاشات في أكثر المحافظات يرفضون استمرار الرئيس «مرسي» في الحكم». وكان موقف إيران أيضاً مغايراً للموقف التركي حيث رحبت بسيادة رأي الشعب المصري وضرورة تلبية مطالبه المشروعة. وكان الموقف الروسي «مائعاً» حيث دعا إلى «ضبط النفس» وحل المشكلات القائمة في إطار ديموقراطي واحترام مصالح جميع مكونات المجتمع المصري. وأعلنت الصين دعمها للتغيير، أما بريطانيا فقد أكدت استعدادها للتعامل مع السلطة الجديدة في مصر رغم «امتعاضها» من «التدخلات العسكرية»!! الداخل المصري يمور باتجاهات متضادة، وحوادث نأمل ألا تستفحل وهذا ما يجعل هذا البلد على مفترق طرق!. وهنالك تخوفات من الإتيان برئيس من المؤسسة العسكرية!. إذ إن تجربة الجيش في الحكم في مصر دللت على تطبيق التجربة الديكتاتورية الطويلة، وقد سيطر الحزب الواحد على مقاليد الأمور خلال حكم مبارك الذي دام ثلاثين عاماً، وكان سبباً فيما آلت إليه البلاد من فساد وخواء اقتصادي وأمراض اجتماعية وتدهور للبنى التحتية، ناهيك عن «إلهاء» مصر عن دورها الريادي في العالم العربي بعد تكبيلها بمعاهدة السلام مع إسرائيل إبان حكم العسكري (أنور السادات). فهل سيرضى «الإخوان» عن أي تغيّر سياسي، وإن جاء عن طريق الانتخابات الحرة!؟ وهل سيرضى خصومهم -المعارضة السابقة- إن نجح «الإخوان» في جمع أصوات في الانتخابات المقبلة -خلال 60 يوماً- وجاءوا إلى الحكم من جديد؟. يتخوف كثيرون من سقوط ضحايا، خصوصاً بعد احتجاز مجموعة ليست بالقليلة من قيادات وأتباع «الإخوان المسلمين»!. كل العالم ينظر بترقب للمشهد المصري، وهنالك من يحاول «ضخ» إعانات سريعة من أجل القضاء على المشكلات التي يواجهها المواطن المصري هذه الأيام، وتوفير العيش الكريم. ولكن تبقى تلك مساعدات وقتية، وقد لا تؤثر كثيراً في المسار السياسي أو تخفف من موجة «الغليان» في الشارع المصري. ولقد حفلت وسائل التواصل الاجتماعي بتحذيرات عديدة من تعامل الثورة مع العسكر!؟ وأن هنالك «تعارضات» بين منتسبي الثورة وبين الجيش!؟ وأن هذا الأخير سوف «يخطف» الثورة من أهلها!. في حين رأى بعضهم أن «العلمانيين» لم يتحملوا مساحة صغيرة من الديموقراطية التي يطالبون بها!؟