أذكر أخاً فاضلاً كان يشتغل في معمل للدهان، ثم حدث معه خطأ فظيع في مزج الألوان. وهرع العمال إلى المشرف وكان المالك في الوقت نفسه لمواجهة المشكلة. قابلها بهدوء ليس بالانتحاب على ما حدث، فقد حدث ما حدث، ولا يمكن تعديله، ولكن يمكن الاستفادة مما حدث، بحيث يحول على الأقل إلى كارثة من حجم أصغر. يقول صاحبي إن ما حدث كان نعمة من جهة، حيث أمكن التصرف بحيث خرج لون زاهٍ غير متوقع، وأمكن بيعه في السوق المحلية. والشيء نفسه حصل مع عقار (الفياجرا)، الذي كان في الأصل لمرضى القلب، فقضى على البعض تحت التجربة، ثم تبين أنه ينهي مشكلة جنسية عانى منها الناس منذ أيام حمورابي. ويذكر عن عالم أمريكي أنه كان يعالج لدائن من أنواع شتى لإنتاج مادة صناعية تفيد المطابخ، وفي إحدى المرات حصل خطأ بشع، حزن عليه صاحبه، ولكن الذي ظهر أن المادة الجديدة ممتازة، وهي التفلون، وتنفع في طليها في قاع الطناجر، بحيث لا يلتصق بها الطعام، ومنها خرجت صحون التيفال المنوعة. وهذه الخاصية بتزحلق المواد على سطحها حركت في ذهنه الاستفادة منها في صناعة الشرايين الصناعية. واليوم يستخدم جراحو الأوعية الدموية مادتي الجورتكس والتفلون من وراء هذه الغلطة المباركة. والقصة نفسها حصلت مع اكتشاف (البنسلين) الصاد الحيوي الرائع من عفن المقابر، حيث خرج سيد الصادات الحيوية. وكان قد نما على نحو عرضي، تم اكتشافه ينمو على المواد، وتبين أنه ليس عفناً، بل عقاراً رائعاً يقضي على الجراثيم. وأذكر جراحاً كان يعالج تورماً دموياً خطيراً (أنورزم) في شريان البطن، وأثناء التداخل عليه حصل خطأ طبي فادح قاد إلى تمزيق الوريد الرئيس للبطن، المعروف بالأجوف السفلي فأصيب الجراح بالهلع، ولكأن فكه السفلي انخلع من مكانه، قلت له نحن في ورطة، وأنت بوضعك الحالي في ورطة أشد، فهدئ روعك وتماسك، حتى نستطيع السيطرة على الموقف. كانت الكلمات برداً وسلاماً، وأمكن إنقاذ حياة المريض التي كانت تسبح بين الموت والحياة. ولكن أكثر الناس لا يعقلون.