رغم المآخذ العديدة والملاحظات الجوهرية، التي يرصدها المحللون على تجربة الاحتراف الرياضي في السعودية، إلا أن الغالبية، متفقة على أهميته، باعتباره نقلة نوعية، كما يشار إلى قرار تنفيذه، على أنه علامة فارقة في المسيرة الرياضية السعودية. فقد عزز من قوة العمل في الأندية الرياضية، من أجل المنافسة، وذلك عبر مزيد من الاستقلالية الإدارية لها عن سلطة «رعاية الشباب» التي تحول دورها إلى جهة تنسيقية ومظلة راعية للرياضة، ومنشآتها. في المقابل ظلت الأندية الأدبية تتقلب على جمر معاناتها لأكثر من ربع قرن، ولم يطرأ عليها ذاك التغيير الذي يمكن أن يعتبر تحولا أو فارقا في مسيرتها، كل ما حدث هو انتقال ملكية الأندية من يد الرئاسة العامة لرعاية الشباب إلى يد وزارة الثقافة والإعلام، مع بعض التعديلات «الشكلانية» التي لم تمس جوهر الأندية على الإطلاق.. ولولا الانتخابات لما اتضح أي تغيير عليها على الإطلاق. لكن الانتخابات في الأندية الرياضية بدأت مبكرا، مع ما يقارب بدايات تشكل الأندية، (وأذكر أنني شاركت في انتخابات مجلس إدارة نادي هجر بالأحساء في منتصف الثمانينيات وكان لي مقعد فيه)، أي أن الأندية الرياضية سبقت في هذه التجربة بعقود، ولولا الرؤية الإدارية الاحترافية التي أعدت البنى التحتية للرياضة والرياضيين، وما تلاها من تدرج تصاعدي حتى وصل إلى مرحلة الاحتراف الرياضي، سواء على مستوى اللاعبين و الإداريين والأنشطة والمشاركات الدولية؛ لما كان تحقق للرياضة كل هذا الزخم والتأثير. لذا فإني لا أرى في إشغال الأندية الأدبية بقضية الانتخابات – على ضرورة استمرارها – أي منفعة مباشرة، يمكن أن تشكل تلك النقلة النوعية التي ننتظرها. الأندية الأدبية في حاجة إلى رؤية احترافية أصيلة وذات بعد استراتيجي، الحاجة ماسة إلى مقرات ثقافية حقيقية، في كل مدينة، لا بيوت سكنية مستأجرة كما هو الحال في أغلب الأندية، وهي في حاجة إلى الإدارة الثقافية المحترفة، والمتخصصة في الشأن الثقافي (لا أعني مجالس الإدارة، فهي من المفترض هيئة استشارية فقط)، أما الأمر المحير فهو ميزانيات الأندية، التي لوجمعناها كلها لعام كامل، لن تتجاوز مقدم عقد لاعب كرة قدم واحد!!. (بطبيعة الحال لا أعني هنا التقليل من أهمية الرياضة ولا التعرض لموازناتها المالية على الإطلاق، إنما أعقد المقارنة للإيضاح لا أكثر، فلسنا دولة فقيرة حتى نأخذ من الرياضة لنصرف على الثقافة، مثلا..) ما سبق إنما يصب في بناء وتهيئة بيئة مناسبة للحياة الثقافية، لكن أين هو اللاعب، الأساس في هذه المعادلة؟ المثقف الذي هو الصانع والمنتج للثقافة، لو دققنا النظر، لرأيناه أسوأ حالا من الأجير في أكثر من مهنة، مكدودا ليوفر كفاف يومه، ينطبق عليه القول المأثور «أدركته حرفة الأدب»، ثم يقتنص الوقت ليقرأ ويبدع. في حين نجد الدعم والمساندة للمثقفين في كل العالم، بما فيها دول تحصل على مساعدات مالية من بلادنا. التفرغ الثقافي (بمختلف أنواعه)، تطبقه دول عربية مجاورة (البحرين، الأردن، مصر، المغرب… إلخ)، في حين أن كثيرا من مبدعينا يعانون الأمرين، ماديا ومعنويا، ولست في حاجة لأمثلة.. ما يصيبني بالعجب، عندما يتداعى المسؤولون لحث المثقفين والمبدعين على القيام بأدوارهم الطليعية في قيادة المجتمع (……..) يا طويل العمر إنت متأكد؟!