الرياضة أصبحت حاضراً صناعة، لذا لم تعد متابعتها مقتصرة فقط على الرياضيين، هناك آخرون ليسوا في الوسط الرياضي وأصحاب مسؤوليات كبيرة ومهام بعيدة عن الرياضة، لكنهم يعشقونها، إما حديثاً وإما منذ فترة طويلة. الوجه الآخر الرياضي لغير الرياضيين تقدمه (دنيا الرياضة) عبر هذه الزاوية التي تبحث عن المختصر الرياضي المفيد في حياتهم وضيفنا اليوم الشاعر والناقد والكاتب الصحفي محمد الحرز * كانت ولا تزال النظرة للرياضة لدى المثقفين محل تجاذب بين من يراها جزءًا لا يتجزأ من الثقافة، وبين من يراها لا تعدو عبثاً وإلهاء، فكيف ينظر لها محمد الحرز كمثقف؟ - الرياضة بإطلاق ليست عبثا أو إلهاء، إنها جزء من التاريخ الإنساني، بدأت معه بتصورات بسيطة تتعلق أساسا بفن ابتكار الطرق في التعامل مع الأشياء من حوله، لكنه تعامل يختلف من حضارة إلى أخرى، بل من مجتمع إلى آخر، أليست رياضة الصيد كانت قيمة ترتبط بالحياة والموت عند إنسان الحضارات القديمة بينما في الحضارة المعاصرة تحولت إلى قيمة رياضية فقط؟!.إن تاريخ تحولات الرياضة هو تاريخ وعي الإنسان بها من جهتين: من جهة كونها تمثل مجموعة من الطقوس والعادات والاحتفالات التي اندمجت في تقاليد الشعوب القديمة كالرومان والعرب، ومن جهة أخرى كونها أصبحت جزءا مهما لا يمكن الاستغناء عنه في بنية الاقتصاد العالمي في حضارتنا الحالية، لذلك لا يمكن أن ندير ظهورنا كمثقفين ونقول: إنها مجرد ترف، بل إنها سياق ثقافي شئنا ذلك أم أبينا، والفصل بينها وبين قيم الثقافة الاجتماعية هو فصل تعسفي ناتج عن كون الثقافة التي ورثناها تحط من كل قيمة ترتبط بالجسد على الرغم أن الواقع الذي نعيشه عكس ذلك تماما، وهنا نوع من المفارقة الكبرى. لم يولد بعد من يشبهني من نجوم الوسط الرياضي بما فيهم ماجد عبدالله * كمثقف وشاعر وناقد كانت لك تجربة الترشح لعضوية نادي الأحساء الأدبي، وبالمقاربة بساحة النقد الرياضي فإن الأمر ليس سهلاً على الناقد العمل في المؤسسات الرياضية الرسمية كالأندية والاتحادات إذ يصبح محل تشكك من قبل بعض زملائه النقاد، حيث يرون في ذلك تضارباً في المصالح، فكيف هو الأمر في ساحتكم الأدبية؟ - التعارض الذي يوضع بين وظيفة المثقف باعتبارها قيمة تكمن أهميتها في تبني نصرة القضايا العادلة والدفاع عن مجتمع المهمشين والترفع عن استثمار وعيه النقدي في مصالح آنية ضيقة، وبين انخراطه في عمل مؤسساتي ضمن مؤسسات الدولة. هذا التعارض الذي يحتل مساحة لا بأس بها في أذهان الكثير من المتثاقفين هو ناتج في تصوري من فكرة تأثيم الدولة وشيطنتها، وهي فكرة ماركسية بالأساس لا أجد لها موطأ قدم في ثقافتنا الموروثة، وهذا بالتأكيد ليس مبررا في رد الفكرة أو الاعتراض عليها، لكن مؤسسات الدولة من ثقافية أو رياضية لا يمكن كبح جماحها أو تغولها إلا من داخلها، والأمثلة والشواهد عديدة على مثل هذا التوجه لدى مثقفين كبار عالميين لا أريد هنا إثقال اللقاء بذكرها، لذلك وانطلاقا من هذه القناعة كانت تجربتي في الأندية الأدبية لا تتعارض تماما مع ممارسة الوعي النقدي في أشد صوره تأثيرا. * في الساحة الرياضية لا تخلو الانتخابات في الأندية من إثارة العديد من الإشكالات إما بين المترشحين أنفسهم، أو بين المترشحين واللجنة المشرفة من (رعاية الشباب) إذ تكثر الاتهامات بالتلاعب في النتائج، وهو أمر يحدث في الأندية الأدبية، وقد كانت لك تجربة مماثلة حيث وجهت اتهامات عنيفة للجنة المشرفة على انتخابات نادي الأحساء الأدبي، فبماذا تبرر هذا التعاطي إن على المستوى الثقافي أو الرياضي؟ - ليس ثمة مبرر يمكن قوله هنا، لكن دعني أنظر إلى هذه المسألة من زاوية توصيفية تتصل بظاهرة الانتخابات كونها ظاهرة لم تكن يوما من الأيام جزءا من ثقافتنا المحلية، وفجأة وبدون مقدمات ترى أن الحديث عن ثقافة الانتخابات بدأت تتصاعد وتيرته وسط المثقفين والمسؤولين وأصحاب القرار، والكل بدأ يراهن ويتحدث عن ضرورة ترسيخ آلية الانتخابات ولا يتحدث عن السياق الطويل لثقافة الانتخابات نفسها، وقبل ترسيخ مثل هذه الآليات ينبغي أيضا التركيز على نشر ثقافتها، ولا أقول هنا بضرورة التراتبية، ولكن على الأقل بالتساوق وهو أخف الضررين، ناهيك عن أن تطبيق هذه الآليات تحتاج إلى كوادر احترافية ترتبط بمراكز معلومات وهو شبه معدوم، لكن على الرغم من ذلك أرى أن التجربة كبدايات أولى تستحق الاحترام والتقدير. أما ردود الأفعال فهي ضمن هذا السياق أرى أنها طبيعية تماما. * كناقد له حضوره البارز في الساحة الثقافية، كيف تنظر لساحة النقد الرياضي في السعودية، وهل ما يمارس فيها ما يمكن أن يندرج في سياق المفاهيم النقدية إن علمياً وثقافياً؟ - لم تتأسس المفاهيم النقدية في خطابنا الفكري حتى يمكن القول أن هناك خطابا نقديا رياضيا قد تأسس، ينبغي هنا التفريق بين ثقافة الخطاب وثقافة الناقد، ثقافة الخطاب صناعة مجتمع ودولة بامتياز، ثقافة الناقد صناعة مرجعياته وخياراته فقط، والقطع بين الاثنين ليس بالضرورة، ثمة وشائج بينهما بطريقة أو بأخرى، الرياضة كخطاب لم تؤسس مفاهيمها الخاصة من قبيل مفهوم اللعبة، مفهوم المرح، مفهوم الانتماء والهوية مفهوم التشجيع...إلخ، وذلك وفق ما تحظى به من عناية سواء على المستوى الرسمي أو الاجتماعي، الحدث الرياضي عندنا حدث لحظي وآني تأثيره على مستوى التفكير الرياضي ينتهي بانتهاء زمنه، لذلك ذاكرته لا تنتج مفاهيم من خلالها يمكن أن نحظى بقراءات معمقة للحياة الرياضية. * بالمقارنة بين النقد الرياضي والنقد الأدبي في الإعلام الرياضية تبدو المقارنة جائرة حيث تفرد الصفحات للرياضة بما لا يقارن بصفحات الثقافة، بل إن هناك صحفاً وقنوات متخصصة وبرامج خاصة حتى في القنوات المشغولة بالسياسة، فهل يدل ذلك على ثراء المنتج النقدي الرياضي قياسا بالمنتج الأدبي؟ - ليس يأسا بالمنتج الأدبي كما تستنتج، ولا تفوقا من طرف المنتج الرياضي، المسألة ليست هنا، هي في ظني تتصل بكون عالم الرياضة تحول إلى سوق دولي كما هي الأسواق التجارية الأخرى في العالم، والاستثمار في هذا العالم الطارئ على عالم الأعمال والمال يدر أرباحا كبيرة، وهو ما يشكل إغراء كبيرا في جذب الكثير من المستثمرين، لذلك ليس غريبا أن يكون لعالم الرياضة أجهزته الدعائية والإعلامية ولاعبيه النجوم، كما نجد هذه الحالة في عالم الغناء والموسيقى والتمثيل على السواء. * تبدو الساحة الرياضية السعودية صاخبة إعلامياً قياساً بالساحة الأدبية، فهل يعود ذلك إلى ديناميكية الرياضيين وواقعيتهم قياساً بالمثقفين الذين يرتهنون أنفسهم لحالة طوباوية تجعلهم يظهرون على غير حقيقتهم؟ - طوباوية المثقفين ليس لها علاقة هنا بديناميكية الحضور لدى الرياضيين، كما قلت عالم المثقفين وعالم الرياضيين مختلفان تماما، الأول طبيعته الصراع الغير قابل للاستثمار كمنتج وسلعة تداولية لكنه بالمقابل موظف إيديولوجيا في مجال السياسة. بينما الثاني مطواع ومرن وقابل للاستثمار كما قلنا سابقا. * ثمة نقاد رياضيين منحازين إلى فريق واحد يفضلونه إلى حد التعصب وذلك على حساب جماليات الرياضة ومبادئها، فإلى أي مدى يوجد مثل هذا التعاطي بين النقاد الأدبيين إن بطريقة أو بأخرى؟ - التعصب في نظري انحياز والسيطرة عليه وتحويله إلى تأمل وتفكير هو نوع من الجماليات المؤثرة، وهو بلغة علم النفس مرض عصابي أغلب ما يصيب المبدعين والعظماء، ولكن حالة التعصب المرتبطة بالأندية عندنا لا ترقى إلى مستوى هذه النظرة. يتساوى المثقفون أيضا في ذلك، فالثقافة واحدة. * تصل العلاقة بين النقاد المختلفين في ميولهم إلى مرحلة متقدمة من التصعيد اللفظي والتشابك الكلامي، غير أن ذلك لا يأخذهم إلى تجاوز الخطوط الحمراء، وذلك على عكس ما يحدث أحياناً بين المثقفين حيث يكون الضرب تحت الحزام، ولعلي لا أحتاج لتذكيرك بالتصعيد الذي حدث قبل ثلاثة أعوام بين الدكتور الغذامي وبين الأديب والمفكر محمد العلي، فبماذا تفسر ذلك؟ - الصراع بين مختلف الآراء ظاهرة طبيعية، وينبغي التشجيع على تكريسها، لكن حدود هذا الصراع يتوقف على خبرة إدارتها، وهو ما يحيلنا إلى ثقافة الحوار وانتشار المنطق والعقلانية، وهو مالا تتضح معالمه في ثقافتنا المحلية، هذه الظاهرة هي نوع من النسق المتسلط الذي تندرج فيه ذوات مثقفة كبيرة أو صغيرة لا فرق. * لم يتردد ناقد مثل محمد العباس من طرق أبواب الرياضة فكتب غيرة مرة في الحالة الرياضية من زاوية المثقف، بين لم تفعل ذلك، فهل يدخل ذلك في سياق التخوف من خدش صورة النخبوي لديك؟ - محمد العباس ناقد كبير ومتميز وهو صديق عزيز، واحترم اشتغالاته النقدية وأتابعها باهتمام وجد، لكن خيارتنا في الكتابة النقدية بالتأكيد تختلف، هذا الاختلاف ليس له علاقة بمفهوم النخبوية كما تقول. لكنه اختلاف يتأسس على موقف كل منا من الكتابة مثلا من مرآة الذات وعلاقتها بالحياة والنص والمجتمع. * محمد العباس قال أيضاً وبلغة قاسية إن كثيراً مما يسمى نقداً رياضياً لا يعدو سوى تهريجاً إعلامياً، فهل تتفق معه؟، وهل ثمة مهرجون يتلبسون ثياب النقاد في الساحة الأدبية؟ - لست متابعا دقيقا للإعلام الرياضي المتصل بالنقد الرياضي في تفاصيله الجزئية، وإصدار الأحكام اليقينية بالنسبة لي يحتاج إلى معرفة تلك التفاصيل الدقيقة، لأننا لسنا في صدد الحديث عن خطابات وإنما عن أشخاص وذوات، والقبض على صورهم من منظور نقدي وتثبيتها في إطار يحتاج إلى دقة في النظر.ما ينطبق على النقد الرياضي ينطبق كذلك على النقد الأدبي. * انتقدت في رؤية لك القناة الثقافية السعودية وقلت بأنها لن تحصد النجاح طالما بقيت تحت المظلة الرسمية لوزارة الثقافة والإعلام، وهو حكم أراه متعسفاً فهذه القناة الرياضية تنجح رغم أنها أيضاً تحت مظلة ذات الوزارة، فكيف تورطت في هذا الحكم؟ - لم اربط النجاح بشكل نهائي برفع يد الوزارة عن القناة الثقافية، لكنني قلت القناة تحتاج إلى كوادر احترافية تحقق على أقل تقدير السمات العامة للإعلام الفضائي الجديد. ولا يمكن أن نقارن نجاح القنوات الرياضية بالثقافية. الكل له أسبابه المختلفة. * أصبح النقاد الرياضيون يستعيرون بعض المصطلحات التي بات يقذف بها إعلام (الربيع العربي) في ازدراء خصومهم كمصطلحي الشبيحة والبلطجية، وهو أمر ليس بعيداً عن الساحة الأدبية، فهل بالفعل هناك مثقفون ورياضيون يمتهنون دور الشبيحة والبلطجية رياضياً وثقافياً؟ - وهل التربية الثقافية أو الرياضية تمنع الشخص من أن يمارس دور الشبيحة أو البلطجة.؟ لو كان الأمر كذلك لانتفى واختفى الخطاب المثالي واليوتيبي من الوجود من أفلاطون إلى ماركس. * في حوار معك قلت: "لا يوجد من ينتج أفكاراً إبداعية، سواءً على مستوى الأدب أو النقد أو الفلسفة، نحن شرّاح للفكر لا أقل ولا أكثر"، بهذا الطرح الموغل في السوداوية كيف ترى إذا الساحة الرياضية في ذات السياق؟ - لا يمكن النظر إلى الرياضة والفكر من ذات السياق. التفكير في الفلسفة على سبيل المثال هو نوع من التفكير المجرد. أما التفكير في الرياضة هو لا يخلو من التفكير في جمال الجسد واتساقه مع الفكر نفسه. * أنت شاعر وناقد وكاتب صحفي، وعلى الرغم من كل ذلك لا ترقى شهرتك إلى مستوى لاعب درجة ثالثة في أحد أندية الأحساء، وهي مسقط رأسك، فكيف تتعاطى مع هذه الحقيقة؟ - أتمنى أن أصل إلى شهرة مستوى لاعب درجة ثالثة، دعواتك *يشبه الروائي يوسف المحيميد نفسه بالنجم الكبير ماجد عبدالله حيث يقول: "أنا مثل ماجد، كلما كثرت الحروب من حوله، وتكاثرت الرماح، أمعن في الإبداع والتألق" فبمن يشبه محمد الحرز نفسه من الرياضيين؟ - ضحك بقوة قبل أن يجيب: لا أرى شبيها، ربما الشبيه لم يولد بعد يا صديقي. * أيضاً اختارك الروائي يوسف المحيميد في حواري معه في الزاوية في تشكيلته لمنتخب المثقفين الذي سيواجه البرازيل، لكنه وضعك في حراسة المرمى، فهل في اختياره ثقة مفرطة في قدرتك على الذود عن عرين فريقه، أم أراد من ذلك توريطك بهذه المهمة الصعبة؟ - لا هذا ولا ذاك، بل ليفسح لي المجال لتأمل جمال الكرة البرازيلية عن قرب.