استغرب الأخ دعشوش ومعه كثيرون عن كيف ينسى الجراح الشاش في البطن فوجب التوضيح؟ باشرت الجراحة منذ عام 1972 وانتهيت منها عام 2013م بمعنى أنني شاهد في هذه المسألة لمدة أكثر من أربعين عاماً مرت عليَّ كأنها ساعة من نهار، ويمكن أن أدلي بخبرتي وشهادتي. يظن البعض أن الجراحين منزهون متعالون عن الخطأ وهذا خطأ. وهناك من يظن أن الجراحين مجرمون لايعبأون أو يأبهون لحياة المرضى وهذا أيضاً خطأ؛ فالأطباء في العموم بشر ممن خلق يصعدون ويهبطون ويخطئون ويصيبون، ولكن المشكلة أنها تحدث فوق أجساد الناس وحياتهم. من هذه الورطات: نسيان الشاش. أذكر تلك الواقعة جيداً من زميلنا السوداني عثمان غندور رحمه الله، حين طلبني لمساعدته في امرأة نزفت بعد الوضع. في ظروف الفزع الأكبر مع نزيف خطير يصبح الشاش المستخدم لامتصاص الدم بلون الدم؛ فإذا لم ينتبه الجراح أو الممرضة إلى عدد الشاش المستعمل فلربما تاهوا في بعضها. هنا عند الشك يطلبون فني الأشعة فيصور البطن، ولأن الشاش فيه أسلاك تترك ظلها في الأشعة فيمكن كشف مصير الشاش الضائع مع العدّ، وزميلي الدكتور غندور فعل هذا ولا أعرف بالضبط ملابسات نهاية العملية؟ فقد أنقذنا حياة المريضة وتابع الدكتور غندور إغلاق البطن. ما حدث لاحقاً أن قام زميل بتحريك القضية حين تم اكتشاف نسيان الشاش في بطن المريض. وهو أمر يمكن أن يحدث. روى لي من أعرفه أن زميلاً اكتشف خطأ زميله في مثل هذا فتصرف بطريقة إنسانية لحماية زميله فانتشل الشاش وسكت عن الموضوع لعموم البلوى. في قصتنا حدثت تحقيقات ونال الدكتور غندور ليس مكافأة على إنقاذ حياة المريضة بل عقوبة خصم راتب أسبوع. فهذه هي ظروف العمل بين الاختلاطات وحسد الزملاء وصرامة التحقيق وشكاوى المرضى. بالمناسبة خلال آلاف العمليات التي أجريتها لا أذكر أنني نسيت الشاش أو المقص. حدث معي اختلاطات منها المعقد والخطير بل خسرت فيها أحياناً حياة بعض المرضى المحدودين مقابل إنقاذ حياة آلاف كثيرة وبالتالي فعلى القارئ أن يستوعب مشكلة المضاعفات عند الجراحين.