استدعيت إلى العديد من الأمكنة للتحقيق في قضايا كريهة، أذكر منها التي ذهبت فيها إلى جيزان بسبب قطع طرف عند شاب تعرض لحادث وتلوث أدى إلى الغانغرين الغازي وهو قاتل؛ ففضل الفريق الطبي قطع ساقه على أن يموت متبعين قاعدة: الحياة أهم من الطرف، ذلك أن الحياة أصل والطرف فرع من الحياة. أو تلك التي وقع فيها صديقي الدكتور عثمان رحمة الله عليه وهو يحاول إنقاذ حياة مريضة يمنية نزفت بعد الوضع فنسي قطعة (شاش) داخل البطن وهو أمر يحدث بسبب التلون بلون الدم فلا يفرقان، وتتحول الشاشة إلى قطعة من الجسم. وأذكر من صديقي عبد المجيد دكتور البولية رحمة الله عليه وهو يطلبني في قاعة العمليات قال أخشى أن أكون قطعت شريان البطن الحرقفي الكبير قلت له آمل أن لا يكون وتبين ما نخاف منه، ولم يكن ثمة شرايين صناعية متوفرة قبل خمس وعشرين سنة فقمت بتوصيل طرفي الشريان ببعضهما ولم يكن ذلك سهلا وليس بدون عقابيل فنجا المريض ولم أعرف نهاية قصته. المضاعفات أو الاختلاطات هي تلك الأشياء التي تحدث من عقابيل تداخل جراحي، أو إهمال لعدم تدخل جراحي، أو لمعالجة طبية خاطئة، وقصصها أكثر من أن تعد وتوصف؛ من ساق مبتورة، ويد قطعت، وشريان بالغلط ربط وهو يغذي طرف حيوي، وحقنة صباغ دخلت الأوردة بدل الأمعاء فظهر المريض في صورة سريالية، وشابة جاءت من أجل رفع كتلة سليمة في الإبط فانتهت في المقبرة، ورجل قوي جاء من أجل منظار ركبة فمات ولم يلمسه الجراح بعد؟ وامرأة تعاني من دوالي الساقين فماتت على طاولة العمليات، وطفلة أرادوا رفع اللوزتين عندها فماتت على عجل، وطبيب أراد أن يرفع سيخا من كسر قديم فسحبه فدخل عينه فأصبح الطبيب مريضا يدخل قاعة العمليات، ويقوم زميله طبيب العينية بترقيع عينه المثقوبة، ويبقى سنوات وهو يحمل نظارات شمسية سميكة يحميها من كل ضوء باهر، شاهدا على مخاطر العمل عند الجراحين. أو الجراح الذي مات بالتهاب الكبد من جرح في يده من مريض يجري له العملية مصاب بالوباء الكبدي القاتل من نوع سي (HCV). أو طبيب يعمل عملية مرارة عادية بجراحة المناظير فهوى بالمثقاب إلى شريان الآورطى البطني فثقبه فماتت المريضة ولم يمكن إسعافها، أو طبيب جراح وضع مصيره في يد زميله بسبب ديسك ظهري فقري فدخل بالسكين عميقا فنزلت في وريد البطن الكبير فنزف ولم ينفع فتح بطنه بإيقاف النزف فسلم الأمانة وهو على طاولة العمليات. أو ممرضة حقنت طفلا بإبرة البنسلين ولم تتنبه للحساسية فانصعق فمات بالشهقة والحساسية. «لقد كان في قصصهم عبرة لأولي الألباب».