كان الغالب على أذهان كثير من الخلق أن طبيعة الأشياء السكون والثبات، حتى يطرأ عليها عامل خارجي يحركها وينفخ فيها روح التغيير والتطور، ومع تقدم العلم اتضح أن قاعدة الكون والكائنات الأصلية تتمثل في التغيير والتحول وعدم الثبات، وأن رد الحركة والسيرورة إلى الجمود والتوقف مرده عامل خارجي يتسلط على المتحركات فيعيدها إلى السبات والثبات، فالنمو حالة طبيعية للشجر والبشر، واشتغال مؤسسات الدولة على استيعاب نمو الشعب يحفظ التوازن للمجتمع ويُعلي مكانة وإمكانات قدراته البشرية ما يجدد حيوية المؤسسات ويسهم في فتح آفاق الأمل وكسر الجمود والرتابة والملل، وربما أثقلَنا البعض بأحكام جائرة كوننا نوجِّه تنميتنا إلى الجمادية، أعني الخرسانية أو الإسمنتية، ويزعم أن أهدافنا منصبة على التنمية الحجرية مع إهمالنا التنمية البشرية، ومن شأن مثل هذا الحكم أن يثير ويحرك مخاض أسئلة تدور في ذهن المواطن البسيط ولعلها تدور في ذهن المسؤول الكبير، محورها ما فائدة المواطنين في دولتهم؟ وهل يمكن الاستغناء عنهم كونهم استهلاكيين؟ أو تجاهلهم واعتبارهم من سقط المتاع ؟ دعوني أشاكل بين أب وبين مسؤول، فالأب بعد إنجاب الأولاد يشتغل عليهم تأميناً معيشياً وتعليمياً وتنويرياً لغاية في نفسه، تتمثل في أن يأتي يومٌ يقومون فيه بأنفسهم ويؤمِّنون بطرق أجمل حياتهم، ويؤسسون مشاريعهم الخاصة بهم، ويساندون الأب في حمل مهمته العائدة بنفعها على الأسرة بأكملها، وهكذا الحال بالنسبة للمسؤول عن شعب ما، فالشعب بالتعليم والتدريب وتأهيل الكوادر ثقافياً ونقابياً ومهنياً يحقق للمواطنة غاية ويجعل للحياة هدفاً، ويؤمن للمواطنين منهجية وطنية تشاركية أو تمثيلية تتجدد من خلالها الدماء وتتلاقح الأفكار والآراء ويتكامل دور الرجال والنساء، وأرى أن مجلس الشورى ووزارات الشؤون الاجتماعية والثقافة والتربية والتعليم والتعليم العالي جهات كلها معنية بسن قوانين وأنظمة وتطبيقها، لتحتوي قدرات الشعب خصوصاً الأجيال الشبابية دون الثلاثين التي فرضت ذاتها وتجاوزتنا بقدراتها على صياغة البرامج والآليات التنموية، وبما أن علماء الاجتماع يصفون العلاقة بين المجتمع وأجهزة الدولة بالحساسة، إذ إنها تُنجز وتتكامل وتتفوق كلما كانت على وفاق، بينما أي إخلال أو تجاوز أو تطاول من المؤسسة على المجتمع فلا مناص من الطلاق، فمن الضروري العمل على خلق علاقة طبيعية بين المؤسسات والشعوب من خصائصها الدينامية والبعد عن الرتابة والمزاجية، وبما أن العاشق دائم التطلع للحراك واحتواء معشوقه والقرب منه واستيعابه إلى حد ذوبان الكل في الواحد واشتعال الواحد في الكل، فنحن هنا منذ تولي الملك عبدالله بن عبدالعزيز وفقه الله مقاليد الحكم نتحدث عن التحول والانتقال المدني بثقة وطمأنينة، مؤمِّلين الخروج من تبعات الماضي والسلامة من ضرائب المستقبل، فالإصلاح ليس عيباً بل هو وصفة للانعتاق من أسر الفردية والاستجابة لمطالب العمل بإخلاص، لخلق الظروف الملائمة للخروج من دوائر الرتابة عبر إصلاح وتطوير المؤسسات لتستقطب كل القوى والتكتلات.