طالب المخرج السينمائي عبدالله المحيسن المجتمع السعودي التعاطي بجدية مع واقعنا من خلال عصر صناعة الصورة وتأثيراتها المهولة لاحتياجاتنا الشعبية لشروط مختلفة وتخوم مغايرة كون زمن الصورة ووسائل الاتصال الجماهيري متنفساً وباعثاً رئيسياً لتحقيق إشباع الفرد من حيث تحقيق حضوره الاجتماعي وتنمية قدراته المعرفية، و التعبير عن منظومته الثقافية وتحسين صورته الذهنية، مؤملاً أن نحقق التثقيف والتنوير والتوعية واستزراع مواطن الأدوار المتعددة كما يقول علماء التنمية مستعيدين تجارب العديد من الدول العربية والإسلامية التي شقت طريقها بنجاح في هذه الصناعة كونه يمكن أن يسعف في اختصار الكثير من الوقت والجهد والمال، مشدداً على أهمية تفنيد الادعاءات والمزاعم بخطورة إنشاء دور العرض أياً كانت مسرحية أو سينمائية، والتركيز على حصانة المجتمع السعودي على مستوى الرقابة الذاتية للجمهور ومستوى مضامين الأعمال المنتجة محلياً والتي تراعي المصلحة العامة للمجتمع وتتوافق مع السياسة الإعلامية للملكة العربية السعودية القائمة على ترسيخ الإيمان بالله في نفوس الناس، والنهوض بالمستوى الفكري والحضاري والوجداني للمواطنين، ومعالجة المشكلات الاجتماعية من خلال فنون أدائية (مسرح وسينما) سعودية تعمل أيضاً على تعميق فكرة الطاعة لله ورسوله ولأولي الأمر لافتاً إلى وجود فجوة -لا يستهان بها- بين الشباب المتطلع والوثاب لشق طريقه في مجال السينما والمسرح وبين الجهات الرسمية البيروقراطية ذات العلاقة. وكشف المحيسن في حواره ل»الشرق» عن أهمية دور السينما والمسرح في المجتمعات كونها تدفع النخب ومتخذي القرارات في المؤسسات الاقتصادية والثقافية والاجتماعية والسياسية والأمنية إلى التعامل مع وسائل الاتصال الجماهيري المختلفة وتوظيفها بما يحقق تكامل العمل المؤسسي في المجتمع من خلال الاستفادة المثلى من مقدرة وخصائص تلك الوسائل في الوصول إلى شرائح الجماهير المختلفة والتأثير في آرائهم واتجاهاتهم وسلوكياتهم، وبعبارة أخرى أصبحت الوسائل الإعلامية أداة من أدوات تشكيل ثقافة المجتمع والتعبير عنها. ويعد كلا من المسرح والسينما من أهم وسائل الاتصال الجماهيري -إذا ما أحسن توظيفها- القادرة على تحقيق استقرار المجتمع وتوازنه ورفاهيته، كما ينسب لها دور مهم في التعبير عن صورة المجتمع وتحسينها، مضيفاً أن الأعوام الأخيرة شهدت نشاطات مسرحية وسينمائية ملموسة – فردية في أغلبها- ومؤسسية في بعض الأحيان، تمثل استمراراً خجولاً وبطيئاً للتجارب السعودية المتراكمة في مجال المسرح والسينما، إلا أنه يعطي مؤشرات جيدة حول توافر بعض العناصر المهمة في النهوض لعله من المناسب أن أجمل طبيعة الحراك المحلي للمسرح والسينما في غياب التنظيم والتخطيط وإدارة واقع الصناعة باحترافية مستدامة بالمسرح والسينما السعودية، مستشهداً بظهور مواهب شابة من حيث الأداء والكتابة والإخراج والتصوير تحتاج إلى مزيد من العناية والاهتمام والفرص التي ستساعد في تأسيس القواعد اللازمة لصناعة المسرح والسينما في المجتمع السعودي على الأقل من ناحية الكادر البشري، واصفاً النشاطات المقامة حالياً بالمناسباتية كونها ترتبط بمناسبات وطنية واجتماعية و مشاركات خارجية متعلقة بنشاطات الأندية الأدبية أو الجمعية العربية السعودية للثقافة والفنون. ويرى أن جمهور السينما جمهور عريض وغير متجانس، على الرغم من افتراض هذه الوسيلة شروطاً معينة في الجمهور المستقبل لرسالتها إلا أن السينما تقوم بأداء وظائف مختلفة كوسيلة اتصال جماهيري، يأتي في مقدمتها وظيفة التسلية والترفيه، ووظيفة التعليم وتنمية المعرفة العامة للجمهور، مما يعني أن السينما تسهم في حفظ ثقافة الشعوب وتعمل على نقل وتعريف التراث الثقافي من جيل إلى جيل. وعن الدروس المستفادة من ردود الأفعال حول فيلم ( ظلال الصمت) يشير إلى أنه حاول توضيح ما للفنون الأدائية (مسرح وسينما) من أهمية كأداة من أدوات التعبير الثقافي الراقي لخدمة رسالة المملكة الإسلامية التي شرفها المولى عز وجل للقيام بها من جانب وخدمة ومعالجة قضايا المجتمع السعودي من جانب آخر.ودافع المحيسن عن فيلمه باعتباره تجربة لا تخل من مغامرة في ظل عدم توفر بنية أساسية لازمة لتكوين صناعة سينمائية في المملكة من مدن إعلامية سينمائية تتوفر بها استوديوهات ومعدات وأجهزة تصوير وإضاءة ومعامل مونتاج حديثة وعدم توفير رأسمال كاف للإنتاج المسرحي والسينمائي من خلال تشجيع رجال المال والأعمال والمؤسسات المالية على إقامة كيانات مسرحية وسينمائية قوية.وبخصوص خلو الفيلم من الرمزية الفنية أوضح أن الرمزية حاضرة لمن تلمسها إلا أنه برغم نخبوية الفيلم وقصته إلا أنه اعتمد رمزية إيحائية كون نقاش قضية المثقف المهمّش والمطارد و الغير مرضي عنه موجب للرمزية لتمرير بعض الأفكار والإسقاطات مؤكداً أنه يشعر بالرضا لعرض الفيلم في مناسبة ثقافية ووطنية يحضرها قرابة ألف مثقف ومثقفة حرص أن يسمع منهم وأن يستنير برؤاهم وانطباعاتهم . وتطلّع المحيسن إلى إعداد وجدولة ورش عمل علمية لتحقيق استراتيجية وطنية شاملة للنهوض بالفنون الأدائية بالمملكة ضمن استراتيجية وزارة الثقافة والإعلام، وقيام المتخصصين من ذوي العلاقة بكل فن أدائي بإعداد تصور خاص بهم ضمن إطار مشروع الوزارة، إضافة إلى إنشاء كراسي بحث علمية في أبرز الجامعات السعودية تسعى للقيام بدور فاعل في تخطيط الاستراتيجية العلمية للفنون الأدائية السعودية وتوثيق الأنشطة السابقة، وتفعيل التدريب في مجال المسرح والسينما والتلفزيون على المستويين الداخلي والخارجي، تتضمن دورات تستهدف المواهب الشابة في مجالات كتابة النصوص والمعالجة الدرامية، إعداد الممثلين الواعدين من الشباب، الإخراج المسرحي والسينمائي، وتقنيات الأداء والصوت والصورة في المسرح والتلفزيون والسينما، وذلك بالتنسيق مع الجهات ذات العلاقة والاستعانة بالجامعات والمعاهد الدولية ذات السمعة الجيدة في المسرح والسينما، واستقطاب المتخصصين من أكاديميين ومهنيين وممارسين على المستويين المحلي والخارجي للاستفادة من تجاربهم في التخطيط والتنفيذ والإدارة في مجال المسرح والسينما. مناشداً وزارت الثقافة والتربية والتعليم العالي تنمية وتطوير العلاقات الثقافية مع هيئات ومجالس الثقافة والفنون الأدائية في مختلف دول العالم، والإيعاز إلى جهات الاختصاص للتفكير في إعداد ووضع الخطط الدراسية المتعلقة بإنشاء كليات وأقسام ومعاهد فنون تقوم بتدريس تخصصات الإنتاج السينمائي والمسرحي إلى جانب أقسام الإذاعة والتلفزيون في الجامعات السعودية، ويرى المحيسن ضرورة إنشاء هيئة حكومية مؤقتة تتبع قطاع الثقافة بالوزارة تختص بالشؤون المسرحية والسينمائية، لحين الانتهاء من إعداد الاستراتيجية الوطنية للمسرح والسينما، تُعنى بتوثيق الفعاليات والأنشطة المسرحية والتلفزيونية والسينمائية الحالية،، وتعمل على استكشاف المواهب الشابة ورعايتهم وتوجيههم، كما تقوم بتقديم الدعم الفني والمعلوماتي المساعد في إعداد الاستراتيجية، بالإضافة إلى قيامها بدور حقيقي وفاعل يخدم المسرح والسينما السعودية،و تقوم بإعداد مركز معلوماتي وتأسيس ملفات ببلوغرافية –إن صح التعبير- للأنشطة المسرحية والسينمائية حول العالم، وجدولة برامج المشاركات السعودية في تلك الأنشطة. و أكّد المحيسن أن السينمائيين يصطدمون بمؤشرات الواقع الحكومي في مجال الثقافة والإعلام من حيث قلة عدد المؤسسات ذات الصلة بالفنون الأدائية (مسرح وسينما)، سوى من قطاع خاص بالثقافة في وزارة الثقافة والإعلام لا تبدو له علاقة واضحة مع الجمعية العربية السعودية للثقافة والفنون كجهة معنية بالمسرح والسينما إلا من حيث التراث و الفنون الشعبية، أو حتى مع جمعية المسرحيين السعوديين التي تأسست في وقت قريب (1428ه) كمؤسسة ثقافية غير ربحية مستقلة إدارياً ومالياً، ما زالت في إطار التكوين وبناء شخصيتها الاعتبارية، إذ لا نشهد لها سوى اجتماعات هنا وهناك على مستوى العاصمة والمدن الأخرى تتعلق بتشكيل لجان أو الاحتفال بيوم المسرح العالمي أو اجتماعات للمطالبة بتمكين المرأة من الصعود إلى خشبة المسرح، وفي خضم كل تلك الاجتماعات لم تظهر – حتى الآن – النشاطات المسرحية المأمولة على أرض الواقع. ظلال الصمت اثناء عرضه في صالة مركز الملك فهد (الشرق)