لا يمكن تقليد قلم جلال عامر وصوت محمد منير، وكاميرا يوسف شاهين، ومنديل أم كلثوم، وعود محمد عبدالوهاب، وأشعار كامل الشناوي. موهبة «عم جلال» في الكتابة ماركة مسجلة كأغاني عبدالرحمن الأبنودي، وأقواله ستظل منتشرة كصور جمال عبدالناصر.أضحكنا في حياته، وضحك علينا بموته، وغاب عاماً كاملاً، ترك خلاله فراغاً لا يكتمل إلا بوجوده! المقاتل الذي عبر قناة السويس في حرب أكتوبر بقلب شجاع، تعثر في جثث ثوار يناير بالإسكندرية ومات مرعوباً -بعد أن شاهد المصريين يحاربون المصريين في الذكرى الأولى للثورة- بجلطة في القلب! لاحظ أن جلال عامر لم ينتصر على الحياة، ولم يهزمه الموت، الثابت أنه تغيب عن الواقع، والواقع يثبت حضوره، رحيله لم ينف بقاءه، وخفيف الظل وفاته زجاج شفاف لا يحجب شمسه! مقالاته القصيرة امتدت وطالت الأفئدة، واستطاع بعبارات قليلة أن يجني ثروة من القراء. في الوقت الذي كان يحرضنا على الحياة باغتنا بموته، وكأنه كان يمنحنا «ابتسامة» ليأخذ في مقابلها دمعة! ولم يكن عم جلال يجيد البكاء ولكن المقاومة، ولم نقاوم موته وإنما بكيناه، كان يقرأنا ليكتب، فنقرأ الجريدة من حيث يبدأ، ولا تظن أن قلمه كريم في عدد الكلمات بل في معانيها التي لا تحصى، وبريقها الذي تجدده دهشة تتكرر كلما أعدنا التلاوة. منذ عام لم يصبح جلال عامر على قيد الحياة، لكنه ظلّ على قيد الإبداع. لم يحتل -مثل غيره- مساحة جغرافية من المكتبة العربية، ولكنه صار جزءاً من تاريخها بأعمال قليلة جداً نشرها متواترة في مقالات وجمعها بين دفتين من خلال كتابيه «مصر على كف عفريت» و»استقالة رئيس عربي» والأخير لم يصدر بعد! كان الكاتب الكبير مصدراً من مصادر الطاقة والدليل أن المصريين يواجهون نقصاً في جلال عامر مثلما يواجهون النقص في البنزين والأمل الذي لم يتخلف عمنا عن التمسك به واختراعه (إذا لم يجده) بقدرة فيلسوف مبهر يمتطي مهرة الحروف فلا يشق له غبار. كان -رحمه الله- ماهرا في تحويل المداد إلى مدد، ونسف الحزن بجرة قلم، كان يقلب المأتم إلى فرح، ويثري الغلابة بالسعادة، ويعصر من الحنظل العسل! ذهب من كان كلامه يوزن بالذهب، صمت إلى الأبد. الدم أجبره على الخرس، مات -ياولداه- كمدا من شارك في ولادة ثورة طاهرة بعد أن فوجئ بمن يحاول رجمها وسربلتها بالدماء. سنة مضت يا عم جلال؛ والسنة كأنها مضت إلى الخلف!.. الشوارع على حالها، لم يتغير شيء؛ قنابل الغاز والرصاص -الحي والمطاطي- لا يزال يطارد الشباب، أسهم البورصة انخفضت وأرقام الشهداء ازدادت، والمرأة تساوت مع الرجل في حقوق السحل. صار لدينا من يفتي بقتل المصريين، ومن يدافع عن عودة اليهود، وجبهة إنقاذ، وجبهة ضمير وتصريحات هشام قنديل! من أقواله: يقول «إسحاق نيوتن»: إن لكل فعل، رد فعل، ونحن نعاتب «رد الفعل» ولا نحاسب «الفعل»!!