“الدوام لله سبحانه وتعالى، فهو الحي الباقي، وكل شيء هالك إلا وجهه، لكن أحياناً تختلط الضحكات بالدموع، فالموت لا يُوقِف حركة الحياة؛ إذ يقال عندنا أن الحي أبقى من الميت”. كانت هذه الكلمات لفقيدنا الكاتب الساخر جلال عامر في مقالة له “بالشرق” تحت عنوان “الدوام لله”، ولم يعلم كاتبنا العملاق أنه بعد 12 يوما سيفارقنا إلى بارئه تعالى، كنت أحرص على قراءة مقالات الساخر جلال عامر يوميا، وكنت أبدأ بها صباحاتي لشعوري بأنها تحدث عندي شيئا من الانتعاش وكأنني أتنفس أكسجينا نقيا بعد تناولها قبل إفطار الصباح، كانت العبارات الساخرة تصف واقعا مريرا ولكن في مهارة راقصة بالية تسحر الحضور وتشد انتباههم في خفة الحركة المتناغمة مع جمال الإيقاع. هذه المقالة بالذات لم تشعرني منذ أول وهلة بما كنت أحس به عندما أتابع جلال عامر مشدوها أتعجل القفلة الجميلة التي يعتاد أن يضعها ببراعة، كنت أسائل نفسي حينها أي سخرية في لجاج الموت وبين ثنايا المقابر؟ لكن ذلك لم يثنني عن الاستمرار في القراءة، ليتم في النهاية مشهد في غاية التراجيكوميديا، بذكر “قصة جنازة سيدة أعمال معروفة في ضاحية مصر الجديدة بالقاهرة، وبعد عدة شهور ظهرت هذه السيدة حية واتضح أنها لم تمت لكنها افتعلت هذه الجنازة الوهمية حتى تسقط ديونها لدى البنوك بالوفاة”. الآن وأنا أقرأ نبأ آخر كلمات قالها عند مشاركته في إحدى المظاهرات بالإسكندرية لإسقاط الحكم العسكري بمصر: “إن المصريين بيموتوا بعض” ثم دخوله في أزمة قلبية كانت سببا في وفاته، أعتقد أنه المشهد الأخير الأكثر مأسوية ساخرة في كل مقالات العملاق الساخر الراحل جلال عامر “رحمه الله”.