خلفت الحرب الأهلية الوحشية في السودان، والتي دخلت الآن عامها الثالث، عشرات الآلاف من القتلى، وملايين النازحين، حتى صارت «أكبر أزمة إنسانية في العالم»، وسط تجاهل عالمي. والمشهد في السودان اليوم يضم عاصمة طالها الدمار، وبلدا يفتقر لسبيل واضح يخرج به من مسار إراقة الدماء والعنف، ولا تزال الحصيلة الدقيقة لقتلى الصراع غير واضحة، وبحسب تقديرات الأممالمتحدة، تجاوز عدد قتلى الحرب 20 ألف شخص، في حين تشير تقديرات لجنة الإنقاذ الدولية إلى 150 ألف قتيل، ومنذ استعادة الجيش السوداني السيطرة على العاصمة الخرطوم في مارس الماضي، ظهرت صور مروعة على وسائل التواصل الاجتماعي تظهر ضحايا التعذيب، والأسرى الذين تحتجزهم قوات الدعم السريع، وقد أصابهم الهزال، وصار الكثير منهم مجرد هياكل عظمية. وبلغ الضعف والوهن بالكثير من هؤلاء ما أدى إلى وفاتهم عقب فترة وجيزة من تحريرهم. واليوم، تتناقض صور المقابر الجماعية وضحايا العنف الذين تُركوا في شقق خاوية مع الإشارات الأولية للحياة الجديدة في الخرطوم، وصارت منطقة وسط الخرطوم وكأنها مدينة أشباح، حيث المباني المحترقة والمركبات التي اخترقتها طلقات الرصاص، وفي أجزاء أخرى من العاصمة، بدأت طلائع السكان العودة إلى المدينة، ولاحظ مراسل وكالة الأنباء الألمانية (د ب أ) أن «معظمهم كانوا يريدون معرفة ما إذا كانت منازلهم لا تزال قائمة، وهل تعرضت ممتلكاتهم للنهب»، وفي بعض المناطق، عاد بائعو الشاي لينتظروا الزبائن في مفترق الطرق، وعاد الأطفال ليلعبوا كرة القدم في الشوارع. ولكن أسعار المواد الغذائية صارت ثلاثة أمثال ما كانت قبل الحرب الأهلية، ليس فقط في الخرطوم. أم درمان (السودان) - د ب أ أكبر أزمة إنسانية السودان: أكبر أزمة إنسانية في العالم الأوضاع الإنسانية في السودان قاتمة، بعد مرور عامين على اندلاع الحرب، وأفاد شون هيوز، المسؤول عن السودان لدى برنامج الأغذية العالمي، بنزوح قرابة 13 مليون شخص، وبأن 25 مليونا آخرين يواجهون خطر المجاعة. وأوضح هيوز: «هذه أكبر أزمة إنسانية في العالم من حيث النزوح... يعاني قرابة خمسة ملايين طفل وأم من سوء التغذية الحاد». وأكد أن «حجم ما يحدث في السودان يهدد بتقزيم كثير مما شهدناه خلال العقود الأخيرة.» أزمة في طي النسيان... خطط مساعدات ينقصها تمويل اندلع الصراع في السودان يوم 15 أبريل 2023 بين القوات المسلحة وميليشيا قوات الدعم السريع. وبدأ الأمر كصراع على السلطة بين قوات الدعم السريع، بقيادة نائب الرئيس السوداني السابق محمد حمدان دقلو (حميدتي)، والقوات المسلحة السودانية بقيادة رئيس مجلس السيادة الانتقالي، الفريق أول عبدالفتاح البرهان، الرئيس الفعلي للبلاد. واستولى الجنرالان معا على السلطة في عام 2021، ولكنهما يتصارعان الآن. وأخفقت جهود دبلوماسية متعددة في الوساطة من أجل وقف إطلاق النار، وبدء مفاوضات لإحلال السلام، وتتهم منظمات حقوق الإنسان طرفي الصراع بارتكاب جرائم حرب، بما في ذلك القصف العشوائي الذي نفذته القوات الحكومية، والفظائع واسعة النطاق التي ارتكبتها ميليشيا قوات الدعم السريع التابعة لدقلو، مثل العنف الجنسي وعمليات الإعدام الجماعية، والتطهير العرقي. وأعربت منظمات إغاثة كثيرة عن إحباطها من أن أزمة السودان تحظى باهتمام عالمي أقل بكثير من الحرب في الشرق الأوسط وأوكرانيا - وهو أمر ينعكس، ليس فحسب في التغطية الإعلامية، بل أيضا في التمويل. يشار إلى أنه حتى الآن، لم يصل سوى 10 % من الأموال المخصصة لخطة الإغاثة الدولية للسودان، وبحسب الخطة، هناك حاجة إلى 8ر1 مليار دولار، وتعلقت الآمال بمؤتمر المانحين الذي عقد في لندن الثلاثاء، حيث يعتمد ما يربو على 30 مليون شخص في السودان، الذي يزيد إجمالي سكانه عن 50 مليون نسمة، على المساعدات. واستضافت بريطانيا وفرنسا وألمانيا والاتحاد الأوروبي والاتحاد الإفريقي المؤتمر الذي استمر يوما واحدا، وكان يهدف بشكل أساسي إلى تقديم المساعدات للسودان. وتعهدت بريطانيا والاتحاد الأوروبي بتقديم مئات الملايين من الدولارات لتخفيف معاناة السودانيين. ودعا الاتحاد الإفريقي إلى وقف فوري للأعمال العدائية، ولكن وزير الخارجية البريطاني ديفيد لامي أقر بأن تحقيق السلام سيستغرق وقتا وتجديد الجهود الدولية و»دبلوماسية صبورة»، بحسب ما أوردته وكالة أسوشيتد برس (أ ب). وكان لامي أعلن قبيل انعقاد الاجتماع تخصيص 120 مليون جنيه إسترليني (ما يعادل 158 مليون دولار) من ميزانية المساعدات الخارجية البريطانية المحدودة بشكل متزايد، لتوفير الغذاء ل 650 ألف شخص في السودان خلال العام المقبل. هل يتجه السودان صوب التقسيم؟ ورغم أن استعادة الجيش السوداني السيطرة على الخرطوم كان بمثابة نصر رمزي، لا تزال قوات الدعم السريع تسيطر على أجزاء واسعة من غرب السودان، وفي منطقة شمال دارفور، آخر معقل رئيس للحكومة، لا تزال مدينة الفاشر محاصرة منذ قرابة عام، وأعلنت قوات الدعم السريع عزمها تشكيل حكومة موازية مع الجماعات السياسية والعسكرية الأخرى في المناطق التي تحتلها، وهو ما يعني أن البلاد قد يهددها المزيد من الانقسام، وعقب عقود من الحرب الأهلية، استقل جنوب السودان رسميا كدولة عن السودان في عام 2011، حيث تم تأسيس دولة. حرب بالوكالة تتجاوز تبعاتها السودان وفي أحدث تحليل لها بشأن الصراع في السودان، أشارت مجموعة الأزمات الدولية إلى احتمال التصعيد، خاصة فيما يتعلق بدور الدول الأخرى. وقالت المجموعة إنه بدلا من استغلال التقدم الذي أحرز في العاصمة «لتحقيق السلام، يبدو أن الجيش يريد المضي قدماً لتحقيق نصر كامل، في حين تهدف قوات الدعم السريع إلى توسيع نطاق الحرب إلى مناطق جديدة». وأكدت: «لا يزال الطرفان يتلقيان دعما خارجيا واسعا لمواصلة القتال». كما أن انخراط «الحركة الشعبية لتحرير السودان - الشمال»، والتي تربطها صلات تقليدية بدولة جنوب السودان، في النزاع، يعزز خطر انتشار الصراع، وثمة إشارات آخذة في الظهور على حدوث زعزعة لاستقرار الإقليم، وقد أصبحت تشادوجنوب السودان -وهما من أفقر دول العالم وأكثرها هشاشة- مضيفين رئيسين للاجئين الفارين من السودان. وجاء في تقرير للجنة الدولية للصليب الأحمر، أصدرته في الذكرى الثانية للحرب: «يهدد الصراع في السودان بزعزعة الاستقرار في منطقة هشة في الأساس، مع ما يترتب على ذلك من تبعات متتالية على الأمن والاقتصاد، والتوترات الاجتماعية.» وأوضح التقرير أنه «لا يمكن للمجتمعات الهشة التي تعيش في مناطق ذات موارد محدودة أن تواجه هذه الأزمة الضخمة بمفردها»، وتمر طرق نقل إمدادات الأسلحة لقوات الدعم السريع في دارفور عبر تشاد، بينما يعاني جنوب السودان من الناحية الاقتصادية بسبب توقف إنتاج النفط، وقد تعطل خط الأنابيب الذي ينقل النفط الخام عبر البلدين لعدة شهور. وفي الوقت نفسه، تتصاعد التوترات الداخلية في دولة جنوب السودان، حيث تتصاعد الخصومات السياسية بين الرئيس سلفا كير ونائبه رياك مشار، ويحذر المحللون من تصاعد مخاطر تجدد الحرب الأهلية في البلاد. «الدعم السريع» خلفت دماراً في العاصمة السودانية عبدالفتاح البرهان مدينة ووهان الصينية محمد دقلو (حميدتي)