منذ أكثر من أربعين عاما وحنظلة الصبي لم يكبر، ولم يشب، ولم يلتفت ويرفض أن يجلس. حنظلة ذاك الصبي الذي أبدعته أنامل ناجي العلي- رسام الكاريكاتير الفلسطيني الذي اغتيل عام1987م فجعله رمزا لأشياء كثيرة.. حنظلة ولد في عام 1967م – العام الذي يعرفه كل عربي لم تمت عروبته- يدير ظهره لنا منذ ولادته وحتى وفاة والده ولا نعرف عن ملامحه شيئا.. مات ناجي وبقي هو مديرا ظهره لنا وعاقدا يديه إلى الخلف يرفض كل محاولاتنا.. القصة ليست عن صبي بل أكثر.. لماذا لا يدير لنا وجهه؟ ولماذا لا يتعب من عقد يديه خلفه؟ ولعقدها حكاية مريرة..! متى سيلتفت؟ عندما سئل ناجي عن موعد التفاتة صبيه قال: «عندما تصبح الكرامة العربية غير مهددة، وعندما يسترد الإنسان العربي شعوره بحريته». اليوم يتلمس العربي حريته.. بدأ ينتفض باسم الكرامة.. يكسر قيودها ويحررها من الكبت والظلام إلا أنها صارت ضريرة..؟ تتخبط في نفق من فوضى، ونفق من الخراب، ومولود الحرية يصارع الحياة لا الموت.. ما يحدث في الأرض العربية مبهم، والموجة لا ترحم.. والعيون تدمع أحيانا وتشخص أحيانا كثيرة.. والتاريخ لا يغفر لأحد.. يراودني رجاء يا حنظلة.. التفت إلينا.. امنحنا ابتسامة أو سخرية أو عبوسا.. فقط أخبرنا بنظرة إن كان ما يحدث اليوم على الأراضي العربية يعد درجة من درجات استرداد الحرية أم أننا نحفر لها قبرا أوسع..؟ حنظلة هل هي نوع من أنواع الكرامة أم قيود بلباس جديد لا نفهمه؟ نوع مما أخبرك به ناجي كإذن للالتفات؟ يقول ناجي: «حنظلة هو المخلوق الذي ابتدعته، لن ينتهي من بعدي بالتأكيد، وربما لا أبالغ إذا قلت إنني أستمر به من بعد موتي» اثنتان وعشرون سنة وحنظلة يتيم طاهر ثابت على مبدئه.. ونحن نتلون.. من يخبر ناجي أن حنظلة يمعن في صدوده أكثر.. ونحن نمعن في الضياع الأعظم..