من يوسف عليه السلام وإلى عصرنا الحاضر؛ يبقى سجن الديكتاتور قنطرة عبور بين الأمل واليأس، ولحظة تأمل وخلوة غير مستحبة لآلاف الشعراء والعلماء والمفكرين؛ في السجن نضجت أرقى الأعمال المكتوبة والأفكار التي غيرت وجه العالم، وفي تلك الزنازين القذرة والموحشة تعلم البشر عبر آلاف السنين كيف تكون مرارة الوحشية والعنف والتسلط حينما يفقد ديكتاتور عقله؟ ومنها جاءت نقطة التحول الكبيرة في حياتهم وحياة أوطانهم. كل الثوار والمتيمين والعاشقين يتذكرون غرفة باردة ومظلمة حالت بينهم وبين أحبابهم وفصلتهم عن العالم، وقتلت فيهم الأمل والإشراق؛ لكنها في نفس الوقت منحتهم مزيداً من التفكير والتأمل في الحياة والناس، وحينما كتبوا عن ويلات التجربة ولحظات الفزع والسقوط المدوي للإنسان؛ أزاحوا الستار الحديدي عن عالم البهيمية المستمر والمتواصل منذ أن خلق الله الأرض ومن عليها. لكن الناس لا يتعلمون ولا يتعظون، وسيبقون يسجنون بعضهم بعضاً! في زنازين السجن يفنى الأمل، ويرطب الدمع أحلام الليل، ويحن السجين إلى وجه أمه ورائحتها، إلى شعر طفلته المنكوش، وشقاوتها، وإلى لحظة شروق الشمس وزقزقة العصافير؛ فيتحول مع الضيم والأسى إلى شاعر ومفكر وفنان، وفي حالات كثيرة إلى قنبلة موقوتة تدمر العالم بمجرد خروجها، وتحاول قدر استطاعتها أن تنتقم من الجلاد الأول على حساب العدل والتسامح. في عصرنا الحاضر خرج الكثيرون من السجن (العربي) ثم وضعوا أعداءهم فيه، ومن ثم عادوا إلى نفس الغرفة في نهاية المشوار، ولذلك أصبحنا نحلم بفضائل نيسلون مانديلا الكثيرة؛ حينما ترفع فوق الجراح، وعفا عن الظالمين. أفلا يتعلم بعض العرب في بلاد الثوار العم الكبير نيلسون؟!