أراد الشاعر في مبتدأ هذا النص أن يجسّد الوحشة في كيان تتأمل أبعاده، وتتجسد من خلال تأمله المفارقة التي يستثمرها النص، تأسيًا بشاعرنا القديم الذي كان يقول: يرى الوحشة الأنس الأنيس ويهتدي بحيث اهتدت أم النجوم الشوابك هي الوحشة التي تجسّدت بالضد، فهي ضد النور، ضد استئناس الليل، ومع ذلك يأنس إليها، ويستلذ بالاقتران بها: وحشةً.. وحشةً أتناولُ كلَّ صباحِ رضا مستهلّ السنا وحشة دافيةْ!! جاءت كلمة وحشة منصوبة، وقد تعمّد الشاعر ذلك ليشعرنا بحالة النداء، والاستدعاء الذي يحيل الوحشة أنسًا، إذ إن كلمة (وحشة)، وردت مرفوعة في ورودها قبل النداء وبعده؛ إذ يتخلل هذا النداء والاستئناس المعالم الكالحة للوحشة، فهي في البدء: وحشةٌ.. لا تضيءُ المصابيحُ.. غرفتَها الغافيةْ.! وهي بعد النداء: وحشةٌ لا تجيد التعامل والوزن والقافيةْ!! كأن الاستئناس الذي مال إليها لم يبرح لحظة اضطرار لم تشأ أن تعانق الفكر والتخيّل، فلا زالت ضد الاستئناس، لا ترد من بوابة الشعر ولا من بوابة الفكر، لتنتحر على هذه الوحشة، والحلم باستئناسها لحظة الفجر. وقد تعمّد النص ألا يستنيم لأمل تتلاعب به الوحشة في الاستئناس، فهو ينكر الانصياع لليلها، وإن كان في ساحة زاهية، ويبدو لي أن هذا الانغلاق عن لحظة استئناس الوحشة كما فعل شاعرنا القديم، وكما كانت محاولات النص في ندائه للوحشة، أفسدت على متابعي النص مساحة تأمل مفارقة الاستئناس لهذا العالم الموحش، ذلك الأمر الذي فعله شعرنا القديم، وبخاصة في نصوص الصعاليك.