سليمان بن علي النهابي ظهرت في السنوات الأخيرة ما يسمى بالهيئة الوطنية لمكافحة الفساد (نزاهة)، وكنت وغيري كثيرون سعداء بهذه الهيئة؛ لأننا نظن أنها ستكون أكثر فاعلية مما هي عليه الآن. بل إننا ظننا أنها أكبر مما وُصفت به.. لكننا – والحق يقال- صُدمنا بواقع هذه النزاهة الذي يرمز لهيئة مكافحة الفساد.. لقد ظهر بيانها عن إحدى بلديات منطقة القصيم مضحكاً عندما تقدم موظفٌ بالبلدية بشكوى أكثر ما يقال عنها: إنها شكوي كيدية، وفحوى الشكوى (عن فاتورة في إحدي ورش البلدية لا تتجاوز قيمتها 6000 ريال) فراحت نزاهة تفرد عضلاتها ليصرِّح مصدرها المسؤول في الصحف المحلية بأنهم اكتشفوا الفساد في البلدية.. أنا هنا لا أدافع عن البلدية، ولا أقر خطأ قد حدث، وقد يكون هذا الخطأ وقع بحسن نية خالصة، بقدر استغرابي وتساؤلي وتساؤل كثير من الناس: ماذا فعلت مكافحة الفساد في صحة القصيم عند زيارتهم لها؟ أو عندما أعلن متحدثها الإعلامي السيد محمد الدباسي ومن قبله منصور العليقي عن مشاريع تخص محافظة عنيزة بقيمة تتجاوز 230 مليون ريال ولم يُنفَّذ منها مسمار واحد؟.. وماذا فعلت نزاهة في مستشفى الولادة والنساء بمحافظة عنيزة الذي وافقت عليه وزارة الصحة بقيمة 200 مليون ريال منذ سنتين ولم ينفذ منه مسمار واحد، والله أعلم متى ينفذ؟ وقد يكون ضمن المشروعات المتعثرة فيطويه النسيان كما طُوِيَ من قبل مركز الأسنان بمحافظة عنيزة، الذي صرَّح به العليقي قبل ما يربو علي أربع سنوات، ولا يمكن أن ننسى أن صحة القصيم قامت باقتطاع مبلغ 8 مليون ريال من مشروع توسعة طوارئ مستشفى الملك سعود في عنيزة لشراء أجهزة أشعة، وكأننا لا نملك إلا مبلغ هذا المشروع، مما شكَّك بصحة دراسة المشروع أو طريقة الاقتطاع.. إنني «أيتها النزاهة» أمتلك على ما أقول خطابات وردود مسؤولي صحة القصيم، ولا أتحدث اعتباطاً، ثم إنني أتساءل: ماذا فعلت «نزاهة» في سيول جدة التي تكررت مأساتها رغم الفضائح التي سمعناها في وسائل الإعلام؟ لكننا نسمع الجعجعة ولم نر العقوبات! ومأساة جدة بالمليارات، أم أن الشِّق أوسعُ من الرَّاقِع؟!.. إننا نتمنى أن تكون «نزاهة» على قدر ثقتنا بها، وأن لا تلتفت لبهرجة الإعلام لأشياء طفيفة بقدر أن يكون صوتها الإعلامي واضحاً وعادلاً وفاعلاً، أي أننا نرغب أن يكون صوتها الإعلامي للعبث الكبير؛ لأن العبث والفساد الصغير سيؤدبه الكبير والعقوبة المطبقة عليه.. فإذا صدر من نزاهتنا التي نثق بها ونطمئن إليها كشفٌ ينتهي بالعقوبة لفساد مالي بالملايين والمليارات؛ فإن ذلك سيؤدِّب صغار الفاسدين.. وستجد «نزاهة» نفسها (حينما تركِّز على الفساد المالي الكبير) تعالج الصغير دون أن تُشغِلَ نفسَها به، أو تضيع وقتها بأمور تشغلها عن الكبير.. وفَّق الله كل مخلص نزيه يسعى للإصلاح وقمع الفساد.