دعاني لكتابة هذه السطور، تلك الجهود الموفقة والمسدَّدة للشيخ الداعية محمد العريفي، الذي بذل وقته وعلمه لتوعية ودعوة الشباب والفتيات لقيم وتعاليم الإسلام بلا أدلجة ولا تحزّب ولا افتراء، حتى وصل إلى قلوب الكثير، فهو سفير للوطن وللدين، وإن لم يتفق الكل على ذلك؛ فوصفي لا يدل على كماله! وإنما الأعمال والأخلاق الغالبة على قوله وعمله.ظهر منه أنه سفيرٌ صالحٌ لوطنه، وداعية لدينه، تراه في القنوات الفضائية، وتشاهده مع الشباب في الأسواق والأماكن العامة، وتسمعه على منبر الجمعة، ومشارك في المحافل والمؤتمرات. يلامس دائماً في خطبه قلوب ومشاعر وأحاسيس المسلمين، بما يجعلهم يتعلقون بمن يدلّهم على العلم ويذكرهم به، وهذا القبول لم يكن لولا توفيق الله له، فلا يجتمع الناس على ضلالة أبداً. العريفي لا أعرفه شخصياً، ويعرفه كثيرون، فأخلاقه ودعوته أسمع عنها من أكثر من عشرين سنة، مذ أن كان إماماً وخطيباً في سكن كلية الملك فهد الأمنية، حيث كان بعض الأصدقاء الطلاب ينقلون أخلاق إمام مسجدهم من دماثة خلقه وحسن توجيهه.هذا يعطي دلالة واضحة لمكانة الداعية المتسامح المبتسم، الذي لم يتفرغ للقيل والقال، أو أخطأ وأصاب فلان، وإنما منطلق في عمله الدعوي التوجيهي. العريفي -مثلاً- أثمرت جهوده ثمرة شهد بها وشهدها الملايين، وآخرها أن فتح له المصريون قلوبهم وأحضانهم، بل حمل بعضهم سيارته تكريماً لأخلاقه وما دعا إليه.لعلني أقف مع خطبة العريفي عن مصر وفضائل أهلها، ويا لها من خطبة عصماء من كاتبها ومن ملقيها، فكلٌ أضفى عليها مهابة ورصانة و تأصيلاً.بهذه الخطبة خاصة دخلنا قلوب كل المصريين، فكيف لو وظَّفنا خطب الجمعة في معالجة مشكلاتنا وتأليف قلوبٍ شابها الدرن والزمن بيننا وبين المسلمين عموماً؟. منهج العريفي في خطبه ينم عن فقه وتوظيف للنص الشرعي في وقته، والواقع الذي يحتاج التذكير به، والاتجاه لنشر الحب والمودة وبسط اليد للتعاضد والتكاتف مستدلاً بالنص الشرعي.العريفي زار مصر بدعوة من الأزهر، أعلى هيئة دينية في العالم الإسلامي، يُفهَم من ذلك إقرار وإعجاب الأزهر بما قدمه.فتح المصريون له قلوبهم قبل بيوتهم، وبذلك مازج بين قلوب المصريين والسعوديين، فقد اختصر كثيراً من الجهود للتقارب والمحبة بين الشعبين، كذلك أزال كثيراً من الترسبات المتراكمة من علاقات رتيبة وكلاسيكية. العريفي في زيارته كان سفيراً بحق للوطن ولثقافته ودينه، وهكذا يجب أن يكون أي سعودي يخرج من أرض الحرمين إلى أي بلاد أخرى، أن يكون سمته الإسلام، وأخلاقه الدين، وتعامله الطيب، وكلامه الدرر، ومشاعره المحبة والمودة وبسط الوجه والسرور والشكر والوفاء والاعتراف بالجميل.. كيف لا وهو مِن أرض الحرمين الشريفين ومن بلد الإسلام وشريعته؟!.ملّ الناس من مشكلاتهم، وتعقدت الحياة مع كثير منهم، فهم بحاجة لمن يأخذ بيدهم للتوجيه والطمأنة والاستبشار والتفاؤل، والنظر لإدامة نعمة الله على المجتمعات، وهو الدور المأمول من خطباء صلاة الجمعة. همسة لخطبائنا ودعاتنا: إذا صعدتم المنبر فتعرفوا قبلُ في ماذا يفكر الناس؟ وما هي مشكلاتهم؟ وما تطلعاتهم؟.. فمعرفة الواقع فقهٌ، وتوظيف النص في إصلاح الواقع علمٌ، وروح الخطيب تحرّك الآخرين لما يدعو إليه. خطيب الجُمعة يجب أن يبث روح الحب والمودة والتسامح وتأليف القلوب على الإسلام بعيداً عن التجريح والتحزب والتبديع والتأثيم.