لا يخفى عظم شأن الخطابة في الإسلام وما لها من دور كبير في النهوض بالأمة وتآلفها وتبصيرها بأمور دينها ومن ذلك خطبتي صلاة الجمعة التي تتكرر في كل أسبوع مرة وفي السنة 48 خطبة, وقد ورد في بيان أهميتها وعظم شأنها نصوص من الكتاب والسنة. قال تعالى: { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا نُودِي لِلصَّلاةِ مِنْ يَوْمِ الْجُمُعَةِ فَاسْعَوْا إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ وَذَرُوا الْبَيْعَ... } (الجمعة:9). وفسر ذكر الله بالصلاة ومنها الخطبة لأنها شرط لصحتها. وقد تواترت النصوص من السنة على مواظبة النبي صلى الله عليه وسلم وخلفائه من بعده وسائر أئمة المسلمين على ذلك. يقول عمر بن الخطاب رضي الله عنه: “قصرت الصلاة ركعتين لأجل الخطبة”. وقبل الحديث عن واجب الخطيب في بيان خطر الإرهاب والغلو والانحرافات الفكرية ،أذكر باختصار الصفات التي يجب أن يتحلى بها الخطيب. لأن الخطيب قدوة لغيره فعليه إصلاح نفسه قبل إصلاح غيره من الناس. فهناك صفات ذاتية وهناك صفات معنوية والأهم هي الصفات المعنوية والتي منها: 1- الإخلاص: الذي هو شرط كل عمل, فالخطيب المخلص همه مراقبة الله عز وجل في كل كلمة يقولها, وأن يكون غرضه وهدفه نفع السامعين وإصلاح حالهم, ويتجرد من كل ما يدعو إلى الرياء وحب السمعة, فإن ذلك يورث العجب بالنفس, وهو من أشد الآفات على الدين والأخلاق. 2- التزود من العلم الشرعي: فهذا من أهم الأمور في كل خطيب وداعية, فيجب أن يكون ملماً بعلم الكتاب والسنة حتى يتمكن من اختيار الموعظة المؤثرة, والاحتجاج بالدليل, وتبصير الناس بأمور دينهم, فيكون على درجة كبيرة من الفقه في الدين ومعرفة أحكام الصلاة والخطبة, لأنه قدوة لسامعيه. وفاقد الشيء لا يعطيه . 3- العلم بأحوال المسلمين وقضاياهم المعاصرة: وذلك لأن من مجالات الخطبة الإصلاح بين الناس, ومعالجة ما يواجه المجتمع من مشاكل اجتماعية وأسرية, وإيجاد الحلول المناسبة لها, وعرض ما عليه المسلمون وما قد يواجهون من كيد الأعداء, من قتل وتشريد واضطهاد ، وواجب إخوانهم المسلمين نحوهم, والحث على التآخي بين المسلمين وتآلف قلوبهم . والعالم اليوم يموج بالعديد من الخلافات, والتيارات الفكرية المنحرفة, والنداءات المغرضة, وصنوف الإرهاب المتعددة التي يتعين التصدي لها وتحذير المسلمين منها . ومن الأولويات التي يجب أن يتحلى بها الخطيب وتشملها خطبة الجمعة – دعوة المسلمين إلى التسامح والاعتدال والبعد عن الغلو والتطرف, فإن النفس بحاجة إلى من يذكرها بقيم الإسلام وآدابه وتعاليمه السمحة من خلال خطبة الجمعة, ثم إن هناك أمراً آخر مهم وهو أن البعض من الخطباء يهتم بحال المسلمين في الخارج وما يصيبهم من نكبات وحوادث وينسى وضع بلاده وما أصابها من تبعات الإرهاب والفكر المنحرف ، فهي أحوج ما يكون إلى الوعظ والمعالجة والدعاء ومواجهة ما يحاك ضدها من التيارات الفكرية المنحرفة, وتبصير الشباب خاصة بواجبهم تجاه دينهم ووطنهم وولاة أمرهم وعلمائهم ، وتوجيه الأسرة إلى القيام بواجب التربية والرعاية الصحيحة من أجل حماية أفرادها من أصحاب النفوس الضعيفة الذين يبثون أفكارهم وسمومهم في عقول الشباب. إن الخطيب على المنبر لديه رسالة عظمى لا بد أن يوصلها إلى الناس كافة ، لعلمه أن خطبة الجمعة خير وسيلة للدعوة إلى الصلاح والاستقامة . فالخطيب أشبه ما يكون بالطبيب الذي يتلمس شكاية المريض فيصف له العلاج المناسب. ويعد الغلو والانحراف الفكري من أهم أسباب الإرهاب ، لأن الإرهاب ينتج – في الغالب- عن غلو في الدين أو تلوث في العقل بسبب الجهل بحقيقة الإسلام وسماته السمحة . كذلك على الخطيب أن يكون على علم بما خلفه الإرهاب من آثار مدمرة في الأنفس والممتلكات من إزهاق الأنفس البريئة وهدم وتخريب في المنشآت ، بل وصل الأمر إلى تكفير الولاة والخروج عليهم ، مع مالهم من الحق على الأمة من وجوب السمع والطاعة بالمعروف ، ونصرتهم والدعاء لهم . فإن معرفة ما خلفه الإرهاب من مفاسد وأفكار منحرفة يوجب على كل خطيب بل على كل مسلم أن يبين للناس كافة خطر الإرهاب ويحذر من عواقبه الوخيمة ، وآثاره المدمرة على الأمة . ومن الأولويات التي ينبغي التأكيد عليها في أكثر من خطبة الدعوة إلى الثبات على التوحيد ونبذ البدع ، فللخطبة دور في تصحيح العقائد ونقل أصحاب الأهواء من البدعة إلى السنة ومن الظلم والجور إلى العدل والحكمة ، فيتناول الخطيب في خطبته سلامة العقيدة وصفاء النفوس. والخشية من الله عز وجل وبث روح التعاون والتكافل بين المسلمين وتهدئة النفوس وإخماد الفتن. وهذا كله مما يعين على ترابط المجتمع وتوطيد العلاقة بين أفراده بحيث تسوده المودة والوئام والمحبة والانسجام ، فالإسلام يجمع ولا يفرق ويؤلف ولا ينفر والاتحاد قوة ومنعة والفرقة ضعف ونقمة. فيعمل الخطيب بحكمته ودرايته على إزالة الأحقاد والخلاف والتحزب بين أبناء المسلمين فالفتنة أشد من القتل 91). ونحن في عصر كثرت فيه الفتن والعياذ بالله وخير سلاح لمحاربتها لزوم الكتاب والسنة وما عليه سلف هذه الأمة. فلزاماً على كل مسلم عامة وعلى الخطيب خاصة أن يعمل على محاربة الفتن ودفعها قبل وقوعها لما تجلبه من الويل والشرور وحدوث المنكرات التي هي معول هدم ودمار للمجتمع.وقد بذل الخطباء جهوداً مباركة في مواجهة الفكر المنحرف وبيان ضلاله وكشف باطله ودعوة الناس للزوم المنهج السلف الصالح وجماعة المسلمين مما يذكر فيشكر . فبارك الله في جهودهم ونتطلع إلى المزيد من القوة في الحق وإبطال الباطل. ولا شك أن هناك تفاوتاً كبيراً بين الخطباء في الطرح والمعالجة لتباين قدراتهم ومعارفهم مما يؤكد التنبيه على هذا الأمر بين حين وآخر ، وهذا ما تحرص عليه وزارة الشؤون الإسلامية والأوقاف والدعوة والإرشاد حيث تصدر عدداً من التعليمات والتوجيهات للأئمة والخطباء من أجل الاهتمام بهذا الأمر والتركيز عليه في خطبهم لأنه يمس مصالح الأمة وثوابتها, وأعز ما لديها وهو عقيدتها. ولهذا فإني أدعو نفسي وإخواني خطباء الجوامع وفرسان المنابر أن يعطوا هذا الموضوع أهميته وهم مؤتمنون على كل كلمة يقولونها وما رشحوا على هذا المنبر إلا لما يتمتعون به من الثقة والأمانة والإخلاص والقدوة الحسنة وهم بهذا يؤدون واجباً دينياً وعملياً في وقت واحد. فمنبرالجمعة هو الأولى بمحاربة الفكر المنحرف والدعوة إلى التوسط والاعتدال وبيان الطرق الوقائية من هذا الداء الخطير فالوقاية خير من العلاج ، ولا يخفى أن قوة تأثير الخطيب على المنبر أقوى من تأثير المحاضر في محاضرته أو الداعية في دعوته وأمة تحسب لهذا الداء ألف حساب لابد وأن تضع التدابير الواقية من آفته التي تستهدف تغيير مسار شباب الأمة وقلق أفكارهم بسبب تلك السموم الفكرية التي تنتابهم من كل جانب, والتي يبثها أعداء الإسلام للنيل من الأمة المسلمة بواسطة شبابها. ومما ينبغي التأكيد عليه : السمع والطاعة لولاة الأمر – حفظهم الله –والدعاء لهم ، ولزوم جماعة المسلمين والالتفاف حول علمائهم الذين عرفوا بالعلم والفضل والاستقامة على طاعة الله . وفي الختام ألخص لكم أهم الخطوات التي يسلكها الخطيب في مواجهة الغلو والفكر المنحرف: 1) الوصية بتقوى الله عز وجل في السر والعلن فإن من اتق الله كفاه وحماه من كل سوء ومكروه. 2) الأمر بالسمع والطاعة لولاة الأمر والالتفاف حول علماء المسلمين. 3) التحذير من رفقاء السوء فالمرء على دين خليله. 4) التحذير من إتباع الهوى. 5) تبصير المسلمين بواجبهم والعلماء فيهم خاصة في بيان الحق والتحذير من الباطل. 6) سلوك أسلوب الموعظة الحسنة والبعد عن الحماس المفرط الذي يفسد أكثر مما يصلح والمعالجة بالعقل والحكمة. 7) بيان ما للانحراف من أخطار على الفرد والمجتمع والتعريف بأسبابه من باب التحذير منها. 8) الرد على الشبه والأباطيل التي يعلنها أولئك المنحرفون الضالون لبيان زيفها وكذبها. 9) الدعاء لمن ضل من المسلمين بالهداية. 10) حث المسلمين عامةً على القيام بشكر الله على نعمة الإسلام والأمن في الأوطان والمحافظة عليها والتحدث بها فبالشكر تدوم النعم. هذا وأسأل الله سبحانه وتعالى أن يديم علينا وعلى كافة المسلمين نعمة الإسلام والأمن في الأوطان ن وأن ينصر دينه ويعلي كلمته ويحق الحق ويبطل الباطل ، ويدفع عنا كيد الكائدين ونوايا المغرضين ن ويجعل هذا البلد آمناً مطمئناً وسائر بلاد المسلمين ، كما أسأله سبحانه أن ينصر بالحق إمامنا ويمتعه بالصحة والعافية ويجعل على يديه وأخوانه وأعوانه الخير والبركة لهذه البلاد . إنه سميع مجيب. المعهد العالي للقضاء [email protected]