يُعد دستور الولاياتالمتحدة من أوضح دساتير العالم، هو الذي ساعد على قيام حكومة تتوازن فيها السلطات الثلاث، كما أقام هذا الدستور التوازن بين الحكومة الاتحادية وحكومات الولايات. وعبر عشرات السنين، تم الحفاظ على مرونة الدستور ومسايرته للتطور من خلال إمكانية التعديل والإضافة، مع بعض القيود التي تحميه من التغييرات «المتسرِّعة». إذاً لقد فاز الديمقراطيون مجددا بثاني رئيس ديمقراطي يفوز بولاية رئاسية ثانية منذ الحرب العالمية الثانية، بعد الرئيس الأسبق بيل كلينتون. لا أقول جديدا حين أقول لقد تابع المواطن العربي، والخليجي خاصة، بزخم الليلة الحاسمة في اختيار الرئيس الأمريكي للأربع سنوات القادمة. «أبو حسين» هو اسم أطلقه الخليجيون كوميديا على «باراك حسين أوباما»، الذي يتمتع بشعبية لدى الخليجيين، والطريف أيضا أن هناك تندرا ساخرا أيضا تجاه اسم أوباما لدى الداخل الأمريكي. في خضم الشؤون الأمركية، يتابع العربي بحسرة تجاه شؤونه المحلية، منتظرا سياسات وقرارات دولة قررت أن تكون «العظمى» بعد ثورة الشاي الأمريكية الشهيرة، وكان لها ما أرادت. رغم ذلك، لا يبدو أن أكثر العرب باتوا يعوّلون كثيرا على سياسة أو استراتيجية الرئيس أوباما في الشرق الأوسط، بناء على الخطب الرنانة التي أطلقها في الشرق الأوسط، إبان فوزه في الولاية الأولى، مثلا. كما لا يبدو الاهتمام العربي الشعبوي بذلك الرونق الذي كان عليه سابقا. العرب منشغلون أكثر هذه المرة. والأوضاع تختلف كثيرا الآن. فما بعد الربيع العربي ينتظر حلولا كبيرة وجذرية لقضايا شائكة وساخنة جدا، كأوضاع دول الربيع، مثلا، والملف النووي الإيراني على حد سواء، والذي له، إن حدث تدخل عسكري محتمل مثلا، تبعات شائكة وعظيمة على دول الخليج بيئيا وبشريا واقتصاديا وعسكريا. تابع الإعلام العربي الانتخابات الأمريكية بشكل مختلف هذه المرة، تابعها من منظور أحداثه الدامية والمؤرقة، بين مغبة اختيار أوباما وبين مغبة اختيار رومني على قرارات المنطقة، مثل تطلعات وقرارات صارمة منتظرة تجاه نظام بشار الأسد في سوريا في حال أوباما، أو وعد رومني بتسليح الثوار حال فوزه. بالنظر إلى فترة حكم الديمقراطيين في أمريكا التي تميزت عامة بالرخاء الاجتماعي والاقتصادي، وقلة الحروب كما في عهد بيل كلينتون، فإن آمال العرب قد تتعارض على نحو ما وأولويات الشعب الأمريكي، الذي يبحث عن نقاط التقاء مع مصالح الدولة، دون التدخل بشكل كثيف ومباشر في قضايا شرق أوسطية شائكة لا طائل من ورائها. الأوضاع الديمقراطية في أمريكا ناضجة بلا شك. فبين منافسة الأحزاب في الداخل الأميريكي، من يطمح إلى مشاركة أكبر للأمريكيين في قرارات الإدارة الأمريكية، وبين من ينتقد بسخرية قرارات الحكومة، وبين اليمين المتشدد من ملّاك المال والسلطة، وبين اليسار المتحرر ممن يطمحون إلى الإصلاح، وبين سياسات الداخل وبين سياسات الخارجية الأمريكية، تطغى مصلحة الأمة الأمريكية فوق كل شيء، تماما كما قال رومني بروح رياضية فور هزيمته: «لقد اختارت الأمة أوباما رئيسا لها». هكذا ببساطة، تماما كما قال أوباما: «إن شعوباً تقاتل كي تنتخب بحرية مثل الأمريكيين». تحالف الشباب والنساء والأقليات شكل أساسا لفوز أوباما. كان للشباب دور مهم في ترجيح كفة فوزه نظرا لما يشكله طموح الاقتصاد والاستقرار بصورة رئيسة من أهمية لشعب أمريكا. كما أن النساء أيضا والعازبات تحديدا كان لهن دور «حيوي» في اختياره أيضا، حيث وُعدن بحقوق إضافية. هذا التحالف له أرجل تقف بثبات في أمريكا، فقد أصبحت هذه البلاد كما يصفها بعض المحللين الأمريكيين «أقل بياضا»، إشارة إلى كثرة المهاجرين من الأقليات. ولأن الأشهر الستة الأخيرة أيضا أظهرت عدة عوامل تشير إلى تحسن جيد في الشؤون الاقتصادية الأميريكية كاستقرار أسعار العقار، وبدء تراجع في معدل البطالة التي قدرت ب 7.9 مؤخرا. المفارقة أنه وبرغم ارتفاع نسبة البطالة إلا أن أوباما انتصر، وهذا يعد نصرا تاريخيا عجيبا في تاريخ السياسة الأمريكية. فلم يحدث أن أعيد انتخاب رئيس أمريكي لولاية ثانية تحت هذه النسبة العالية من البطالة سوى في عهد فرانكلين روزفلت حيث وصلت إلى 7.2. لكن المثير أيضا أن نحو 50% من الأمريكيين يرجعون ارتفاعها إلى الفترة الرئاسية السابقة لأوباما، وهي فترة بوش الابن حيث السخط الأميريكي. الاقتصاد عصب رئيس في تاريخ أميريكا، هو الذي يتبارى مع السياسة والدين. ولأن أمريكا دولة مؤسسات وليست دولة أشخاص، فالسياسة الأمريكية ثابتة نسبيا، فيما خلا أن يطغى اختيار الجمهوريين على الديموقراطيين والعكس، ما يشكل فارقا في قرارات مختلفة. اختيار أوباما لم يأت في صورة درامية كما كان قبل أربع سنوات، وبمانشيتات صارخة في الإعلامين العربي والغربي شأن «الأسود في البيت الأبيض». هذه المرة جاء الفوز والطموحات تتأرجح وتتنافس بين المهمات الاقتصادية في الداخل الأميركي، والمهمات السياسية الخارجية في الشرق الأوسط.