جدة – طلال عاتق المالكي يمارس التمييز ضد العرب السنة ويعاملنا كأقلية. إيران تقاتل في سوريا.. وسقوط الأسد سيقلص دورها عربياً. دعم النظام السوري لا ينقطع عبر المجال البري للعراق. كشف نائب الرئيس العراقي طارق الهاشمي، عن استعداده للعودة إلى بلاده والمثول أمام القضاء شريطةَ أن يضمن المجتمع الدولي محاكمة عادلة له، مطالباً الولاياتالمتحدة بالكشف عن الأرشيف الأمني العراقي لأن فيه ما يثبت براءته، حسب قوله. وتوقع الهاشمي، في حواره مع «الشرق»، أن يؤدي التغيير في سوريا إلى حدوث تحولات سياسية في العراق وتقليص الدور الإيراني في الدول العربية. وندد الهاشمي، المحكوم بالإعدام بتهمة التورط في عمليات إرهابية، بما سمّاه «ظلم الحكومة العراقية للعرب السنة ومعاملتهم كأقلية»، داعياً إلى تحول المحافظات العراقية ذات الأغلبية السنية إلى أقاليم على غرار كردستان. ووجّه نائب الرئيس العراقي، الموجود حالياً في جدة بعد أدائه فريضة الحج، الشكر لخادم الحرمين الشريفين وحكومة المملكة على جهود إنجاح موسم الحج، وإلى نص الحوار: * أديت فريضة الحج هذا العام، كيف ترى الخدمات المقدمة للحجاج؟ - قبل هذه المرة، كنت أديت فريضة الحج عام 1975 ثم اعتمرت عدة مرات، وما رأيته في المشاعر المقدسة هذا العام يشير إلى تقدم واضح في نوعية الخدمات، خصوصاً مع زيادة عدد الحجاج، ما أشعرني بكامل الاطمئنان لمستقبل الحج، لذا أشكر خادم الحرمين الشريفين والحكومة السعودية الرشيدة والشعب السعودي المضياف على تسهيل أداء المناسك والتنظيم والإنفاق، وأنا اليوم كما يقول المتنبي «لا خيل عندك تهديها ولا مال فليسعف النطق إن لم يسعف الحال». * بعض بعثات الحج تصر على إقحام السياسة في الحج، ما تعليقك؟ - الرسول عليه الصلاة والسلام قال (خذوا عنّي مناسككم) و(صلُّوا كما رأيتموني أصلي)، أنا لا أعلم أن الرسول قام بمظاهرات في الحج، لم تكن هناك أي مظاهر من هذا القبيل ولا ينبغي خلط الأمور الدنيوية في المناسك. الخلاف مع المالكي * بم تفسر تصاعد الخلاف بينكم وبين رئيس الوزراء العراقي إلى هذا الحد؟ - السبب الأول أن نوري المالكي يتبنى مشروعاً للهيمنة على مقاليد العراق لكي يصبح السياسي الأوحد فيها، والثاني أن هناك مشروعاً للسيطرة على العراق يقوم على التمييز المذهبي، والثالث اعتراضي على إدارة المالكي غير الموفقة، التي وصفتها الولاياتالمتحدة ب»الفاشلة»، أنا أعترض على الظلم والفساد وسوء الإدارة وغض النظر على النفوذ غير المسبوق لإيران في الشأن العراقي الداخلي حتى في صناعة القرار، هذا الاعتراض ربما أزعج المالكي وبالتالي استهدفني، لكن لو نظرنا للإطار العام فأنا سادس سياسي من العرب السنة يتم استهدافه، استُهدِفَ قبلي عبدالناصر الجنابي ومحمد الدايني والشيخ حارث الضاري والدكتور عدنان الدليمي، وهذا يعبر عن وجود مشروع طائفي تمييزي في العراق، وأنا أتوقع استهداف قيادات سنة آخرين في القريب العاجل. * وماذا عن خلافات المالكي مع سياسيين شيعة؟ - اللافت للنظر أن هناك خلافات داخل التحالف الوطني الشيعي، لكن المالكي لا يستطيع القبض على القيادات الشيعية التي صدرت بحقها أوامر قبض حتى هذه اللحظة، السبب أن إيران وضعت خطاً أحمر للمالكي، إذا أراد أن يظلم فليظلم السنة ولا يتجاوز على الطائفة الشيعية. * لماذا انتكس مسار التحول الديمقراطي في العراق؟ - الذي حصل منذ أن تقلد المالكي السلطة هو تحويل العملية السياسية في العراق من الديمقراطية إلى الاستبداد، أصبحت ملفات الأمن والاقتصاد والإعلام، وأضيف إليها موخراً القضاء في يد المالكي. * على ذكر القضاة، إلى هذا الحد تخشى المثول أمام القضاء العراقي؟ - القضاء فقد كثيراً من مصداقيته، الدستور يؤكد على فصل السلطات واستقلال السلطة القضائية عن التنفيذية، لكن المالكي وضع القضاء تحت سيطرته، وبالتالي أي سياسي معارض للمالكي معرَّض إلى ما تعرضت له، وجميع المستهدفين هم من أبناء العرب السنة. الثروة في العراق * كيف ترى مسألة توزيع الثروة في العراق؟ - بالتأكيد هناك إجحاف، واليوم يقال على العرب السنة إنهم أقلية، نحن لسنا بأقلية، السنة اليوم هم الأكثرية بما فيهم العربي والكردي والتركماني، ومحافظاتهم ينبغي أن تأخذ حصصاً من الميزانية السنوية على قدر عدد السكان، وهذا لا يحصل وبالتالي هناك قصور كبير في تمويل مشروعات إعادة الإعمار. * هل تؤيد دعوات إنشاء دولة كردية مستقلة؟ - لا بالتأكيد، الأكراد حسب الدستور يتمتعون بإقليم يتسم بعدم المركزية، وبالمناسبة المحافظات ذات الأغلبية العربية السنية تتمنى أن تحذو حذوهم حتى تسلم من ظلم المالكي، اليوم إقليم كردستان مسؤول عن الأمن الداخلي بينما في محافظات الأغلبية السنية نجد المالكي يتدخل في جزئيات أمنية ويستطيع إلقاء القبض على شيوخها، كردستان إقليم يتميز أيضاً بالحصول على مخصصات من الميزانية لذا يدير أموره بنفسه، بالتالي ينبغي على هذه المحافظات أن تحذو حذوه خصوصاً أن الدستور يتيح تحولها إلى أقاليم. * لماذا يصر الرئيس طالباني على استمرار تحالفه مع المالكي ودولة القانون؟ - هذه وجهة نظر الرجل، ربما إيران هي السبب الرئيس في هذا الموقف، لكن أعتقد أن المستقبل سيشهد ربما تحول الرئيس طالباني لأنه اكتشف أن الدفاع عن المالكي فيما يتعلق بسحب الثقة كان مبنياً على افتراض أنه جاد في إجراء إصلاحات حقيقية وسريعة لكن بعد مرور أشهر لم يغير سلوكه، وهو دائماً يعد ولا يفي وبالتالي أحرج الرئيس طالباني. * هل لديك تصور للخروج من الدوامة السياسية والأمنية في العراق؟ - المالكي اليوم أصبح جزءاً من المشكلة وليس جزءاً من الحل، أنا مازلت مع خيار أن تذهب الكيانات السياسية إلى سحب الثقة وتبديل المالكي بشخصية أخرى من التحالف الوطني الشيعي، هذا جانب، في الجانب الثاني يحتاج الخراب الذي تحقق خلال حكم المالكي إلى حزمة إصلاحات اقتصادية وسياسية وأمنية واجتماعية، وبالتالي الإصلاح سيستغرق سنوات من العمل الجاد والمضني، ومن جانب آخر لابد من إيقاف النفوذ غير المشروع لإيران في المشهد العراقي. النفوذ الإيراني * كيف تقيّم النفوذ الإيراني في العراق؟ - القادة الإيرانيون يقولون بمنتهى الصراحة إن نفوذهم في العراق أصبح واقعاً، وانسياق الحكومة العراقية خلف الأجندة الإيرانية دليل على فقد العراق سيادته، بلدنا اليوم يغرد خارج السرب العربي ويصطف مع إيران لدعم بشار الأسد. * إذاً، أنت ترى أن المالكي يسير وفق الأجندة الإيرانية؟ - بالتأكيد، فالمصالح العراقية اليوم تُذبَح، ما الذي يقوله المالكي للشعب العراقي حينما قُطِعَ 42 نهراً مشتركاً بيننا وبين الإيرانيين؟ هذه المعلومات تؤكدها تقارير موضوعية لكن المالكي لا يتكلم. * كيف تنظر إلى دور المرجعيات الدينية في العملية السياسية؟ - هذا الدور أحد أسباب تشوه نظام الحكم في العراق، فهو يجمع المرجعيتين الدينية والمدنية، لا أعترض على رجال الدين الشيعة فهم أبناء العراق، الاعتراض عندما تكون مرجعية السياسي من خارج الوطن، هنا يكمن الخطر عندما يرتبط السياسي بقرار من مرجعية خارج الحدود، والسؤال كيف نحمي مصالح العراق عندما يكون الرأي النهائي في القضية السياسية هو رأي مرجعية في قم بإيران؟ * المشاهد يرى أن هناك عداوة بين إيران وإسرائيل لكن على أرض الواقع ليس هناك شيء، ما تعليقك؟ - بدأت تصدر كتب حول المصالح الاستراتيجية بين إسرائيل وإيران فيما يتعلق بتوزيع الأدوار في الشرق الأوسط، هذه مسألة لم تعد سراً، وأنا أعتقد أنه توجد أبواب مغلقة واتفاقات بين هذه الأطراف، وأنا أخشى أن يكون الضحية العرب. * هل تعتقد أن إسرائيل ستوجه ضربة لإيران؟ - لا أعتقد أن إيران مهددة، إيران تهدد أنها لو ضُرِبَت ستضرب المصالح الأمريكية وتغلق مضيق هرمز كأنها تريد تحميل الدول الخليجية مسؤولية نزاعها من الولاياتالمتحدة حول الملف النووي، في حين طالبت الدول العربية أكثر من مرة بشرق أوسط خالٍ من أسلحة الدمار الشامل، وهذا ينطبق على إيران وإسرائيل أيضاً. أعتقد أن الهدف الأساس من النزاع «المفبرك» حول الملف النووي هو إبقاء الجميع في حالة قلق واستنزاف الموارد من خلال طلب مزيد من الأسلحة الاستراتيجية الباهظة الكلفة، ولكن أعتقد أنه في نهاية المطاف لن يكون هناك أي شيء، ربما الاستراتيجية الغربية لا تريد إيران ضعيفة وبالتالي لن يتم توجيه ضربة لها. دعم الأسد * ما مظاهر دعم العراق لبشار الأسد؟ - المجال الجوي مفتوح للطائرات الإيرانية وكذلك المجال البري أيضاً مفتوح لنقل الأسلحة والمعدات ووسائل التفجير والقتل، فهي تعبر من الأراضي العراقية دون عوائق، وبحسب المعلومات التي لديّ فإن الدعم لا ينقطع من الناحية البرية، هناك شاحنات مغلقة ونوافذها معتمة تعبر نقاط السيطرة من «جعباطيا» على الحدود العراقية الإيرانية وصولاً إلى منفذ الوليد على الحدود العراقية السورية، تمر من نقاط السيطرة ولكن لا تُفتَّش ولا أحد يعلم حقيقة محتواها، زد على ذلك أن الطائرات الإيرانية مازالت تعبر المجال الجوي العراقي، وما يجري من وقت لآخر من إنزال بعض الطائرات التي تحمل أدوية لتفتيشها هو مجرد ذر للرماد في العيون بعد طلبٍ أمريكي. * متى ينهار نظام الأسد؟ وإذا سقط ما التداعيات التي ستواجه العراق وإيران؟ - بعد كل هذه التضحيات التي قدمها الشعب السوري لا عودة للمربع الأول، وبالتالي القضية منتهية، لكن ربما كما ذكرت يستغرق التغيير بعض الوقت، والتغيير الذي سيحدث في سوريا سيكون ملهماً للعراقيين، لدينا في العراق اليوم المبررات المشروعة لإجراء التغيير المنتظر، فإذا عجز المالكي عن إجراء تغييرات حقيقية أو إذا رفض التحالف الوطني الشيعي وأصر على وجود المالكي، فإن ملايين من العراقيين البائسين والمحبطين سيكونون شعلة للتغيير مستقبلاً، الوضع في العراق لن يبقى كما هو عليه اليوم لأنه أصبح لا يطاق، العملية السياسية أصبحت في مأزق حقيقي، الحكومة مشلولة والبرلمان مشلول. بالنسبة لإيران، أنت تعلم أن إيران تقاتل في الأراضي السورية، ربما تقاتل عن مصالحها، سوريا اليوم منطقة نفوذ لإيران، وتغيير الأوضاع في سوريا سيضعف إيران وسيقلل من عبثها في الأمن العربي. المحكومون السعوديون * ماذا عن ملف المعتقلين السعوديين في العراق؟ - أنا لم ألتقِ بهم لكن نحن ناقشنا هذه المسألة في مجلس الرئاسة واتخذنا قراراً بعدم تنفيذ أي حكم إعدام بحق العرب على أن تسلمهم الحكومة لدولهم وهي تتصرف معهم، كنا ننتظر توقيع اتفاقية قضائية بين العراق والسعودية، وُقِّعَت بالفعل لكنها شملت المحكومين بالسجن لا الإعدام، وأنا أعتقد أنه لابد من ضبط في هذه المسألة لتشملهم، وأعتقد أن كلهم سَمِعَ أن النية تتجه لإعدام ما يقارب مائتي متهم بينهم عرب وسعوديون، وبحسب علمي ووفقاً للتقارير التي بحوزتي لم يقاتل العرب العراقيين بل قاتلوا القوات الغازية فلماذا يتعرضون للإعدام؟ هذه المسألة كان ينبغي أن تُحسَم في اتفاق الدول العربية مع العراق من أجل إنقاذ أرواحهم. * نشاط الحركات المسلحة في العراق انخفض كثيراً عن السابق، ما تفسيرك؟ وما علاقة القاعدة بإيران حالياً؟ - جماعات المقاومة كان لها هدف رئيس وهو إبعاد الأمريكيين، لكن الذي حدث أن من قطف ثمار تضحيات المقاومة هي إيران، اليوم استبدلنا نفوذاً بنفوذ، الأمريكان كانوا يمارسون الاحتلال الظاهر، واليوم إيران احتلالها باطن، الذي يحكم عراقيون ولكن بأجندة إيرانية. العودة إلى العراق * متى تعود إلى العراق؟ - أنا مستعد للعودة إلى العراق ولكن بشرط توفّر القضاء العادل أو إذا ضَمِنَ المجتمع الدولي قضاء عادلاً، وأنا جاهز للعودة للعراق، سواءً كردستان أو بغداد إذا ضَمِنَ المجتمع الدولي محاكمتي محاكمة عادلة أو إذا تشكلت محكمة مشتركة بين عدة دول والقضاء العراقي، أنا مطمئن إلى سلامة سيرتي وسجلي وكذلك عناصر حمايتي، ومن أدلة ذلك أن السفير الأمريكي قال إن الولاياتالمتحدة ليس لديها ما يدين الهاشمي قانونياً ولم تزود حكومة المالكي بشيء من هذا القبيل، هذا التصريح مهم جداً لأنه يصدر عن جهة رصينة هي التي كانت مسؤولة عن الملف الأمني خلال السنوات الماضية ولديها الأرشيف الكامل، أنا أطالب الإدارة الأمريكية أن لا تكتفي فقط بتصريح السفير بل أن تصدر بياناً رسمياً يكشف ما في الأرشيف الأمني لديها حتى يعرف الشعب العراقي من هو القاتل الحقيقي في العراق. * وماذا عن محل إقامتكم؟ - أنا أقيم في تركيا وسأنتقل منها إلى الدول الخليجية من وقت لآخر، وسأبقى في تركيا إلى أن أجد حلاً سياسياً لقضيتي، هي سياسية وليست جنائية، واليوم القائمة العراقية تصر على أنها لن تقبل على أي عمليات إصلاح يقترحها المالكي حتى تُحلّ قضية الهاشمي، أنا أنتظر الحل السياسي ويتبعه بعد ذلك مثولي أمام القضاء شريطة أن يكون عادلاً. الدكتور طارق الهاشمي (تصوير: يوسف جحران)