أؤمن عزيزي القارئ بأن التغير هو أمر كوني، تقتضيه طبيعة الحياة التي خلق الله عليها الأرض، وجبل عليها البشر. وأن هذا التغير في حياة الناس هو أمر سيحدث، سواء رغب هؤلاء البشر كلهم أو جزء منهم أم رفضوا حدوثه. فلولا هذا التغير الإجباري والمتلاحق والدائم والموجود في طبيعتهم وموروثاتهم الاجتماعية التي لا علاقة لهم بها، ولا خيار للتعامل معها، لما تغيرت طرائق معيشتهم وأديانهم والأدوات التي يعيشون من خلالها على مر تاريخهم، وبالتالي لن تجد أبدا أنهم تجاوزا حياتهم البدائية، ولا تطوروا بهذا الشكل المتدرج عبر حقبات التاريخ، حتى وصولوا إلى ما وصولوا إليه من معارف وعلوم وتقنيات، كما هو حالهم في هذا العصر الذي نعيشه أنا وأنت الآن. هذه الرؤية التي بدأت بها هنا هي مدخل لمحور أحاديثي السابقة حول التغيّر الاجتماعي والتأكيد على أنه ظاهرة كونية طبيعية، فكما خلق الله -سبحانه وتعالى- التغيرات الطبيعية في التضاريس والمناخ كشيء بديهي، نستطيع من خلالها استلهام قدرته -سبحانه- بشكل نستطيع رؤيته والتعايش معه كأحد مظاهر الحياة التي نعيشها وبشكل بديهي من السهل ملاحظته، من خلال تغير جغرافيا الأرض من جبال وسهول وأنهار، أو تغير الطقس من خلال ارتفاع درجة حرارة الجو أو انخفاضها، وتعاشينا مع كافة هذه التغيرات في الجغرافيا والمناخ وتقلباتها ما بين مقبول وغير مقبول، متوقع وغير متوقع. فإنه وفي مقابل هذه التغيرات في الظواهر الطبيعية المحيطة بنا، هناك تغيرات داخل عقولنا وأرواحنا وطرائق تفكيرنا، وعلاقاتنا الاجتماعية، ورؤيتنا لأنفسنا وللمحيطين بنا، لا تقل أبدا في حجمها أو قيمتها، ولا في مدى تأثيرها على حياتنا في هذه الأرض. نعم هناك تغييرات حقيقية تحدث على مستوى الفرد والمجتمع بذات قدر التغير في مظاهر الطبيعة، محور الاختلاف أن هذه التغيرات الاجتماعية، تبقى دائما شيئا غير منظور لا يمكن رؤيته أو سماعه أو حتى ملاحظته بالحواس الإنسانية على عكس التغير في مظاهر الطبيعة المحيطة بالإنسان. لذلك كان الحديث عن مثل هذه التغيرات ومن ثم نشأة العلوم الإنسانية والاجتماعية حقلا متأخرا مقارنة بالعلوم الأخرى. إضافة إلى أنه كان ولايزال -خصوصا في البلدان المتأخرة حضاريا كما حالنا نحن العرب- أمرا ليس مطروحا على مستوى حوارات الشارع العادي، مكتفيا بالحضور وبغباء تلقيني بحت على مستوى بعض المؤسسات العلمية والسياسية والاجتماعية. حسنا يا صديقي القارئ، فأنت قد تختلف أو تتفق وبشكل كامل أو نسبي مع رؤيتي هذه حول التغير الاجتماعي، وهذا حق طبيعي ومطلق لك. لذا دعني افترض الأسوأ. أي أنك تعتقد عكس ما أعتقده، وأُنظّر له الآن من حتمية التغير، وضرورة حدوثه كطبيعة بشرية بحته لا مناص من وقوعها أبدا. قد تكون الدوافع خلف رأيك هذا أشياء لا تعرفها، أو قد تكون تعرفها، ولكنك في كل الحالات من المعرفة، فأنت تؤمن بمصداقيتها وتمارسها كتطبيق على أرض حياتك اليومية، وطريقة تعاطيك معها. في ظل هذا الاختلاف في الرأي ما بيننا، لا أنكر أبدا بعائق الحوار وأنك جزئيا قد لا تملك القدرة على التعبير عن رأيك كما هو الحال سابقا (الصحافة التقليدية) من حيث كونك «قارئا / متلقيا» في حين أنني كاتب يقول رأيه، أو ما يعتقد أنه رأيه، ويمضي دون أن يلتفت إلى الرأي القابع هناك على الضفة الأخرى من الجريدة. إلا أنه برأيي لا يمثل سببا رادعا للنقاش والاختلاف حول مصطلح أو تعبير قد تعتقد أنه مجرد مصطلح علمي ك»التغيّر الاجتماعي» في حين أنني أراه مجرد صياغة لغوية لا قيمة لها بقدر ما تحمله في مضامينها. ومضامين التغيّر الاجتماعية هي مجموعة العلاقات وطرائق الحياة التي نمارسها أنا وأنت يوميا، وبالتالي سهلٌ، وسهلٌ جدا أن نتناقش حولها متى ما تخلص من عقد التلقين والأستذة التي تمارسها نخبنا المزورة تحت مسميات احتكار العلم والمعرفة، وهم في الواقع لا يملكون لا هذه ولا تلك. ولا أعتقد بأن هناك مدخلا دقيقا للحديث عن التغير الاجتماعي أكثر سلاسة من مقولة مأثورة في التاريخ العربي والإسلامي، تنسب إلى علي بن أبي طالب -رضي الله عنه- تقول (لا تحملوا أولادكم على أخلاقكم، فإنهم خُلقوا لزمان غير زمانكم). إن أمعنت النظر في هذه المقولة، لوجدت أنها تتحدث عن التغير الذي يحدث في المجتمع ومدى الاختلاف الذي قد يحدث ما بين جيلين من ذات المجتمع، فصلت بينهم فترة زمنية قد تكون أوجدت كثيرا من العوامل الداخلية والخارجية بالشكل الذي خلقت طرائق تفكير ومعيشة، ومن ثم أخلاق وقيم قد تكون مختلفة بنسب معينة. هذه النسب التي نستشعرها باختلاف أبنائنا عنا، واختلافنا عن آبائنا. هذا تحديدا أقربُ مظاهر التغيّر الاجتماعي الذي سأتحدث عن مفهومه لاحقا.