كسا اللون الأسود أمس جنبات المسجد الحرام بالكامل بعد أن توجه الآلاف من نساء مكة وفتياتها إلى الحرم الشريف في عادة ورثنها منذ قديم الأزل، فيما عرف ب « الخليف» أو «القيس»، وهي عادة مكية تؤطر للمرأة ظهورها طيلة يوم عرفة بأعباء ومهمات لم يكن يقوم بها غير الرجال الغائبين عن المشهد العام في مكة خلال هذا اليوم. وأكد الباحث التاريخي محمد الزهراني ل «الشرق» أن عادة الخليف أو القيس، اختفت تماماً وتلاشت مع التطور العمراني والأمني الذي شهدته المدينة، فبعد أن كان نساء مكة في ذلك الوقت يحرسن البيوت في ظل غياب الرجال الموجودين في عرفات، خوفاً عليها من السرقة، ويعملن أيضاً على تقديم الماء والغذاء ومساعدة العاجزين وكبار السن داخل البيوت، بتن يستعضن عن تلك العادة باصطحاب أطفالهن إلى الحرم المكي والإفطار فيه بعد صيام رمضان. ولفت إلى أن نساء مكة اشتهرن قديماً وفي يوم عرفة تحديداً بترديدهن بعض العبارات الشهيرة مثل «ياقيسنا ياقيس، الناس حجت، وأنت هنا قاعد ليش، يا قيسنا يا قيسنا، هيا معانا بيتنا، نسقيك من شربيتنا، ونطلعك في بيتنا»، وتتجاوب معهن الحارات العتيقة في مكة في سياق لحني بديع تتلاقى معه جميع اللهجات الموجودة في مكة آنذاك، مايخلق بدوره طقساً اجتماعياً مبهجاً ومؤثراً. وأكد أحد سكان أحد الأحياء العتيقة في مكة العم سليمان شبانة (70 عاماً) أن سبب تسمية هذا اليوم لدى أهل مكة باسم «الخليف» أن المرأة يوكل لها طيلة يوم عرفة مراقبة المتخلفين من أهل مكة عن أداء واجب الحج، أو حتى الذهاب للعمل خلال موسم الحج، فضلاً عن أعباء ومهمات لم يكن يقوم بها إلا الرجال، مشيراً إلى أن ليلة يوم عرفة تسمّى بالليلة اليتيمة كون أهالي مكة مع قدوم الحجاج ينشغلون بأعمال الحج وخدمة الحجيج، وينشغلون عن بيوتهم وأسرهم في هذه الليلة الاستثنائية، مشيراً إلى أنه لم يكن يتخلف أحد عن هذه الخدمة إلاّ لسبب المرض أو العجز، ما يغري النساء بتبني الدور، وتقمص الشخصية، فيتحركن والأطفال يسيرون خلفهن عبر أزقة وشوارع مكة في مشهد يبرز تركيبة اجتماعية فريدة قلما عُرفت في موقع آخر. وكشف أن السائر في أحياء مكة وشوارعها العتيقة (الشبيكة والهجلة وسوق الليل والمدعى وحارة النقا) وغيرها من الأحياء التي صارت أثراً بعد عين، يلحظ صبيحة يوم عرفة خلوّها من الرجال كون البشر و«التجر» ينطلقون مع الحجيج شاهدين منافع لهم على صعيد عرفات، لتنفرد نساء وسيدات العاصمة المقدسة بالمساحات والساحات بعيداً عن مزاحمة الرجال، عابرات الشوارع على شكل مجموعات أمنية تطوعية، ليحرسن مكة ويضايقن أي رجل «خُلّيف»، وهو المتخلف عن أداء الحج وخدمة الحجيج مرجعات تخلّفه لأمر مريب.