يوم عرفة ليس يومًا كسائر الأيام في حياة اهالي مكة ممّن لا يذهبون في رحلة الحج.. ففي هذا اليوم والذي يسمّى “يوم الخليف”، يستعيد كبار السن مشاهد وذكريات أيام مضت، حيث كانت النساء يخرجن الى الشوارع على شكل مجموعات وهن يرددن العبارة الشهيرة: «يا قيس يا قيس الناس حاجة وأنت هنا ليش». وأمس الخميس خلت شوارع مكةالمكرمة وساحات الحرم المكي الشريف من الحجاج، حيث التأم شملهم على جبل عرفات، وكان لاهل مكة فيه موعد مع ذكريات الليلة اليتيمة، وأيام الخليف في الماضي، والتي لم يبق منها سوى اجتماع الناس منذ العصر فى المسجد الحرام وخروج النساء والأطفال على شكل مجموعات لتناول طعام الإفطار فى ساحات الحرم، كما يتوجه البعض بعد أداء صلاتى المغرب والعشاء إلى المخططات الواقعة فى أطراف مكة لزيارة الاقارب الذين يسكنون فى مناطق بعيدة عن مناطق الحج. وخلال جولة ل “المدينة” أمس على أحياء المسفلة والمنصور وجرول والهجلة وأجياد ريع بخش وغيرها لاحظت خلو الشوارع من حركة الحجيج بعد مغادرتهم الى عرفات، وبين ليلة وضحاها تحوّلت مكةالمكرمة من مدينة يقطنها قرابة مليونى حاج من جميع أقطار المعمورة إلى أحياء هادئة خالية من حركة الحجيج سوى الأهالى من كبار السن وبعض الذين فضلوا البقاء مع أسرهم. يقول العم حسن فرج دبلول ليلة يوم عرفة كانت تسمّى الليلة اليتيمة وكما هو معروف كان أهالى مكة مع قدوم الحجاج ينشغلون بأعمال الحج وخدمة الحجيج ولم يكن يتخلف أحد عن هذه الخدمة إلاّ لسبب المرض أو العجز، ويستعيد دبلول ذكرياته قبل سبعين سنة بالقول: كنت فى سن الطفولة ولكن أتذكر أن النساء كن يجتمعن صبيحة يوم التروية ويشكلن مجموعات كل مجموعة تقوم بدور الحراسات داخل الأحياء والشوارع، وما أن يصلين العشاء إلا ويخرجن الى الشوارع يحملن الفوانيس والمشاعل ويرددن الأنشودة المعروفة (يا قيس يا قيس الناس حاجة، وأنت هنا ليش) ، وكنّ إذا شاهدن أى رجل يجتمعن عليه وينهلنّ عليه بالضرب، ويضيف: والشاهد أن “ليلة الحرامية” لم يعد لها وجود فى ظل استتباب الامن وانتشار الدوريات الأمنية، ويستطرد العم حسن: أمّا يوم عرفة فكانت الأسر بأطفالها تتجه فى الصباح إلى حى أجياد للاستمتاع بالعرض العسكرى فى منطقة أجياد. ويقول عمدة حى الهجلة محمود سليمان بيطار من أجمل الذكريات فى الماضى الليلة اليتيمة وأيام الخليف، حيث تمثل مشهد الترابط الأسرى المكى، فجميع الرجال يتجهون لخدمة الحجيج وتبقى النساء والأطفال فى يوم عرفات يجتمعون فى المسجد الحرام ويحولون ذلك اليوم الى لقاء أسري كبير يتبادلون التهانى ببلوغهم هذا اليوم وبعد الإفطار فى الحرم المكى، يخرجون فى الليل يرددون: “يا قيس يا قيس الناس حاجة وأنت هنا ليش”! والأطفال يسيرون خلفهم، وكان المشهد يبرز تركيبة اجتماعية فريدة لأهالى مكة، وفى مثل هذه الأيام كان التزاور مظهرًا بارزًا للجميع ثم يأتى دور تجهيز البيوت وتنظيفها قبل عودة الحجاج من مشعر منى.