يلحظ السائر في أحياء مكة (المسفلة، جرول، أجياد، ريع بخش، الملاوي، المعابدة، ريع ذاخر) صبيحة يوم عرفة خلوّها من الرجال، كون البشر و«التجر» ينطلقون مع الحجيج شاهدين منافع لهم على صعيد عرفات، في ظل حرص ضيوف الرحمن على تحقيق ركن الحج الأعظم «الوقفة» وتطلع مطوفيهم إلى مكاسب وأرباح موسمية، لتنفرد نساء وسيدات العاصمة المقدسة بالمساحات والساحات و «الأزقة» بعيداً عن مزاحمة الرجال، عابرات الشوارع على شكل مجموعات أمنية تطوعية، ليحرسن مكة ويضايقن أي رجل «خُلّيف»، وهو المتخلف عن أداء الحج وخدمة الحجيج، مرجعات تخلّفه لأمر مريب. ووصف الباحث المكي سامي عنقاوي يوم «القيس» بالطقس المكي المتوارث عبر عقود، مرجعاً حضور هذا الطقس الاجتماعي إلى تغيّب الرجال عن بيوتهم طوال يوم عرفة وحتى صبيحة عيد الأضحى، ما يوجب استشعار المرأة لدورها وقيامها بدور مساند تسد فيه مسد الزوج والأب والأخ، ولخلو المكان من الرجال وخشية تطاول بعض ضعاف النفوس على المنازل والأموال. فيما لفت الباحث المكي حسين بافقيه إلى أن بيوت مكة كانت تتعرّض يوم عرفة للسرقات ما يدفع النساء لتولي دور «الحامي»، فيتحركن أفواجاً من حارة إلى حارة راصدات الرجال المتخلفين ومعاتبات لهم بترديد أهازيج منها «يا قيسنا يا قيس، يا متتبع خطو التيس، الناس حجّت وأنت هنا قاعد ليش، يا قيسنا يا قيسنا، هيا معانا بيتنا، نسقيك من شربيتنا، ونطلعك في بيتنا، شيخ الحارة حامي ديرته». نساء مكة يحرسن البيوت ... ويراقبن «الخليف» بعنف!