سجلت «أم مهيوب» إرادة قوية لامرأة كافحت في سبيل أبنائها من عمل يدها، ووفرت لهم سبل العيش بجد وقسوة ربما عاملت بها نفسها، في سبيل إسعادهم، وقوة مكنتها من خوض العمل الشاق، «من طحن وخلط، وتقشير»، باشرت فيها الشمس لقاء العشرينيات والخمسينيات، فلم تقف عاجزة أمام حاجتها، وجوع أطفالها التسعة، وشقت طريقها بقوة، لتفي بمتطلباتهم، وتوفر لهم حاجاتهم، من مهنة «العضية» والبخور والحناء والطيب حتى الخمريات والمخمليات والدلكات، «تسحق» الحناء والطيب، وتصنع «الظفر» و«تعرب» البخور، و«تنظم» الفل، وتحاول جاهدة ابتكار «روائح عطرية» جديدة تتميز بها عن قريناتها. وتحكي فاطمة مريع «55 عاماً» قصتها ل«الشرق» فتقول: تزوجت ورزقني الله الأطفال، وكان زوجي يعمل بجد لعشرين سنة خلت، لكنه عجز عن العمل بعد أن أصابته الأسقام والأمراض، وبقيت بين تسعة أطفال، عاشرهم أب سقيم، ذاهلة عن أمري، لا أدري ماذا أصنع، عملت في إعداد أشهى الأطباق الشعبية من (الحياسي، والخمير، ومغاش اللحم، ومكاشن السمك، والحنيذ)، سواءً لولائم الأفراح أو إفطار المدارس، واتخذت منزلي مقراً لي، بعد أن اجتهدت في عملي، بيد أنني برعت في نظم الفل حيث عشقته وتلك النباتات العطرية (المشهورة في جازان)، منذ الصغر، وكنت أساعد أمي في صنعها محاولة إتقانها، وشيئاً فشيئاً نسقت أشكالاً مختلفة، وابتكرت ل«عقود الفل» روائح أخرى مضافة متميزة عن غيري ممن يشاركنني نفس المهنة، أخلط فيها بين الفل، والخطور، والخضر، والكاذي، وورد الجوري، وأطعمها بأجود أنواع العود، والعنبر، والعطور المركزة، وأزينها بالكريستالات، وتصف «أم مهيوب» -كما تحب أن تسمى- الإقبال عليها بالجيد، حيث إن زبائنها من جميع أنحاء جازان، بمختلف تضاريسها، من الجنسين الرجال والنساء، فلا يكاد فجر الأربعاء يبزغ حتى تجد زحام السيارات أمام بابها، تنسم روائح الجمال في دارها، وتشتري منه ما يناسبها، طارحةً إبداعها في السوق، بأسعار معقولة، لا تتجاوز مائة ريال لعقد الفل العادي، و150 ريالاً لعقد الفل المميز. وتقول: «بعد أن تزوج أبنائي وبناتي، فكرت في إنشاء محل أعرض فيه أعمالي لتزداد شهرتها وأتوسع في عملي، بعد أن أثنى كلهم على موهبتي، وأشادوا ببراعتي، إلا أن العمر كان له دوره، فحين بلغت العقد الخامس من عمري، وهنت قواي وأصبحت أشتكي كثيراً من الآلام، ما قلل من نشاطي، بعد 24 عاماً من العمل المتواصل، والتفكير الدائم في التجدد والاختراع، وحين لمست في إحدى بناتي هذه الهواية سارعت إلى تعليمها وإشراكها معي في العمل والربح كونه مصدراً جيداً للدخل.