أواصل في هذا الجزء ما جاء في تقرير وزارة الخارجية الأمريكية السنوي للاتجار بالبشر الصادر عام 2012م، وجاء في أحد عناوينه (القانون السعودي يساعد على استعباد العمال)، وقد ذكرت أنه قد “أفزعني ما فيه من المغالطات والاختلاقات التي لاتستند إلى أي دليل”. وقلت “إنّ أنظمة المملكة العربية السعودية المستمدة من القرآن العظيم تمنع أي اعتداء على أي شخص سواء جسدياً أو معنوياً حتى ولو بالإشارة أو الكلمة ويعاقب عليها النظام بعقوبة قاسية” “خاصة فيما يتعلق بكرامة الإنسان وحصانته كما أن النظام السعودي يعاقب على جريمة التحرش الجنسي بالعقوبة الفورية والعادلة التي لايصل إلى صلابتها أي نظام في العالم”. ولكن جاء في التقرير المسيء: ثامنا: “أن النساء اللاتي يأتين من الدول الآسيوية والإفريقية في المقام الأول يجبرن على ممارسة الدعارة في المملكة”، وجاء في التقرير أن بعضاً من الخادمات في المنازل قد تم اختطافهن وتجنيدهن للعمل في البغاء بعد هروبهن من أرباب العمل القساة”. وجاء في ذات التقرير: “أن رجالاً سعوديين سافروا إلى العديد من البلدان ومن بينها الهند ليلتقطوا الفتيات القاصرات للعمل في المملكة مستخدمين عقوداً قانونية أو زواجا مؤقتاً انتهى..” لقد ذكرت في الفقرة ثانياً شيئاً من الإجابة على ذلك وأن النظام السعودي يشدد في هذا الجانب ولايسمح إطلاقاً بممارسة البغاء سواء كان طوعياً أو قسرياً ويجعل عقوبته تصل إلى حد الإعدام حتى ولو كان طوعياً ويصفه أنه من أشد أنواع الفواحش فجاء في القرآن العظيم الذي هو دستور السعودية: “ولا تقربوا الزنى إنه كان فاحشةً وساء سبيلا”. الإسراء 32. ونظرا لشدة تقزز المسلمين من هذا العمل واعتباره جريمة نكراء فإنه أصبح عند عامة الشعوب الإسلامية عملاً هابطاً وسلوكاً قذراً لايستحق من اتصف به أن يكون من المقبولين في المجتمع. أما قول التقرير أن رجالاً سعوديين يستخدمون عقوداً قانونية أو زواجا مؤقتا. فإنه ليس هناك أي عقد قانوني وليس هناك أي مادة نظامية في السعودية تجيز هذا العمل بل تجرمه وكذلك الحال الزواج المؤقت في السعودية محرم ويجرم مرتكبه لأن النظام في السعودية يعتبره نوعاً من أنواع الزنا الذي عاقب عليه النظام السعودي بالإعدام وكذلك الحال بالنسبة للتحرش بالذكور الذي تُعتبر في النظام السعودي مفسدته من أعظم المفاسد ولذلك كانت عقوبته في الدنيا والآخرة من أعظم العقوبات لأن الطباع السليمة تنفر منه أشد نفرة. وفي ختام ردي على تقرير وزارة الخارجية الأمريكية السنوي للاتجار بالبشر الصادر عام 2012م أحب أن أذكّر قارئ هذه الأسطر بأنه صدر أول نظام في مكافحة الاتجار بالبشر أو استعبادهم قبل أكثر من ألف وأربعمائة وثلاثين سنة في كتاب الله تعالى القرآن الكريم الذي أنزل على محمد صلى الله عليه وسلم وجاء فيه قول الله تعالى (ولقد كرمنا بني آدم وحملناهم في البر والبحر ورزقناهم من الطيبات وفضلناهم على كثير ممن خلقنا تفضيلا) ولذلك قامت مبادئ الإسلام وتعاليمه كلها على احترام الكرامة الإنسانية وصونها وحفظها من تلاعب المتاجرين بها، وعلى تعميق الشعور الإنساني بهذه الكرامة. ولم يجعل هذه الكرامة تخص مجتمعا دون آخر بل تشمل جميع بني الإنسان ليكونوا شعوباً مترابطة مدافعة عن الحق البشري ولذلك جاء في القرآن الكريم مخاطباً جميع البشر قول الله تعالى: (يا أيها الناس إنا خلقناكم من ذكر وأنثى وجعلناكم شعوباً وقبائل لتعارفوا). فربى محمد صلى الله عليه وسلم أصحابه على احترام الكرامة البشرية وعدم المساس بها دون تفريق بين شعب وآخر وقد طبقها أصحابه بأسمى معانيها ولذلك حين علم صاحبه وخليفة المسلمين “عمر بن الخطاب” أن ابن واليه على مصر اعتدى على ابن أحد أقباط مصر غضب غضباً شديداً وأرسل إلى أمير مصر خطاباً قاسياً يقول فيه: “متى استعبدتم الناس وقد ولدتهم أمهاتهم أحراراً” ثم يأمر بالقصاص من ابن الأمير بحضور القبطي أمام جمع من الناس. هذا النظام الذي سبق كل الأنظمة العالمية في حماية كرامة البشر، كان هو النظام المحكم في المملكة العربية السعودية. ومع ذلك صدر نظام خاص بمكافحة جرائم الاتجار بالأشخاص بالمملكة العربية السعودية بالمرسوم الملكي السعودي رقم م /40 بتاريخ 21/07/1430ه الموافق 13/07/ 2009م مكون من سبع عشرة مادة. وأنا لا أعجب أن أسمع من غوغاء أعداء الإسلام محاولة الإساءة إلى الإسلام والمسلمين بمحاولة وصفهم أو وصف قادتهم بمثل هذه الترهات فهذا أمر جُبل عليه كل فاسد طبع ومبتور بعد أن فقدوا الحجة والمنطق في الرد على المسلمين فلم يجدوا غير اللجوء إلى السب والشتم تعبيراً عن أحقادهم وما يجول في نفوسهم تجاه المسلمين من البغض والعداوة والكراهية وهي بلا شك وسيلة العاجز الضعيف. وإلا فإن الحضارة تعني الشفافية ومناقشة الحجة بالحجة وقبول الرأي الآخر وسماعه ومقارنته بالرأي دون اللجوء للسب والشتم والتجريح الكاذب، وكان الأولى بالإدارة الأمريكية أن تنأى بنفسها عن تلك الترهات ومحاسبة مُعدّ التقرير الذي سوف ينسب لها لأنني حين أقارن تقرير الإدارة الأمريكية هذا بالفيلم المسيء للنبي محمد صلى الله عليه وسلم أستنشق منه بأن الذي صاغ هذا التقرير تأثر تأثراً بالغاً بأولئك الغوغائية في الغرب. ومع ذلك في حين تذكر الإدارة الأمريكية براءتها من هذا الفيلم وتنديدها به فإننا نجد هذه الإدارة تدافع عن موقفها السلبي: “بأنه حرية رأي تكفلها الحكومة ولاتستطيع تقييدها” وهذا الادعاء غير مقبول جملةً وتفصيلاً لأن هذه الإدارة اعتبرت حرية التعبير غير مسموح بها مع من عادى السامية أو تنقصها، ولذلك أشاد تقرير الحريات الأمريكي بحادثة تحقيق وإدانة في الدنمارك لمعاداة السامية، كما أشاد ببعض جهود الدولة في ذلك ولامها في بعض التقصير -كما يرون- في حين تغافل كثيراً عن حوادث السخرية بالإسلام ونبيه محمد صلى الله عليه وسلم فأين الديمقراطية ونظام الحريات وقوانين الأممالمتحدة التي يتشدق بها الغرب أم أن المقصود بها ما وافق ثقافتهم وديانتهم!! ولابد للإدارة الأمريكية أن تكون لها شخصيتها التي تليق بأكبر دولة في العالم ولايكفي ما سمعناه في أول رد فعل رسمي من جانب الإدارة الأمريكية وهو وصف وزيرة خارجيتها “هيلاري كيلنتون” الفيلم بأنه: “مثير للاشمئزاز ويجب شجبه”، ولا مجرد تنديد الرئيس “أوباما” بالفيلم، لأن في ذلك تعدياً على مشاعر أكثر من مليار ونصف المليار مسلم مما يثير ردود فعل لدى العامة قد لاتستطيع السلطات دفعها أو ردها. فالحكومات والشعوب لم تواجه بالعنف وإنما واجه بهذا الأمر أشخاص لم يستطيعوا السيطرة على أنفسهم ولايمكن إدانة حكومات أو شعوب حصل فيها مثل ردود الأفعال هذه من بعض العامة التي لاينبغي حسابها على الجهات المسؤولة. أحب أن أُنبّه الإدارة الأمريكية وكل قارئ لخطابي هذا أن ديننا الإسلامي يلزمنا أن نترفع عن مجاراة من يسيئون إلينا من السفهاء فلايجوز أن يجرنا اعتداؤهم على دين الإسلام أن نطعن في نبي الله عيسى أو موسى عليهما السلام ولا أن ننزل لمستوى هبوطهم، بل إن ديننا الإسلامي يأمر بتوقير كل الأنبياء وأن تكذيب أي واحد منهم كفر بالله تعالى وبكل الرسل. بل إن دين الإسلام يوجهنا أن لانجرح مشاعر حتى عبدة الأصنام والأوثان فلايجوز لنا أن نسب ونشتم معبوداتهم حتى ولو كانت حجارة لمنع ردود أفعال غير مسؤولة، قال الله تعالى (ولا تسبوا الذين يدعون من دون الله فيسبوا الله عدواً بغير علم، كذلك زينا لكل أمةٍ عملهم ثم إلى ربهم مرجعهم فينبئهم بما كانوا يعملون) الأنعام 108.آمل أن لاتغيب على أذهانكم هذه الحضارة الإسلامية الراقية التي يحاول الإعلام الحاقد المنحط طمسها أو التقليل من شأنها أو على الأقل تجاهلها.