(إن حياتك الخارجية هي انعكاس لما بداخلك، فهناك تطابق مباشر بين الطريقة التي تفكر، وتشعر بها داخليا، وبين طريقة تصرفك وتجاربك خارجيا) … بريان تراسي. يفترض دائما بأن الإنسان كائن مفكر، وبناء على طريقة تفكيره وما ينتج عن هذا التفكير من رؤى وتصورات وقناعات وصيغ معيشية وأهداف يمارس هذا الإنسان حياته على أرض واقعه اليومي المعاش. هذا ما يفترض نظريا، ولكننا نحن العرب شيء أو حالة مختلفة ومناقضة في كثيرٍ من جوانبها لهذه القاعدة. فطريقة تفكيرنا هي شيء قد يكون مختلفا أو مناقضا تماما في بعض حالاته لسلوكياتنا وطريقة تعاملنا مع الحياة ومع الآخرين. بمعنى أننا قد نفكر بشكل ونعيش بشكل مخالف تماما لهذا التفكير. لذلك تجد بأن الواحد منا على قدر ما يحمل من أفكار جميلة وراقية بالشكل الذي يجعلنا لا نتوقع منه سوى تصرفات جميلة وراقية، لا يمارس سوى سلوك منحط ومخالف لكل ما يظهر لنا منه، والعكس صحيح بالتأكيد. فلماذا هذا البون الشاسع بين ما نفكر به وما نمارسه نحن العرب، بين ما نعتقده و ما نطبقه، بين ما نقوله و ما نتصرف به على أرض الواقع؟. برأيي الشخصي أن الإشكالية الحقيقية خلف هذا التناقض تكمن في عدم مقدرتنا نحن العرب على فهم أنفسنا بالشكل الذي يخولنا لفهم الحياة ثم امتلاك القدرة على التعاطي معها – أي الحياة- بشكل أكثر فاعلية. فنحن مع الأسف أكثر الأشخاص بعداً عن أنفسنا وعدم معرفة لها، لأن الناس/ الآخر، تقف بيننا وبينها دائما. وبسبب هذا البعد أصبح الآخر/الناس، عادة هو مَن يقيّمنا أمام أنفسنا حتى وإن أنكرنا هذا طالما نحن غير قادرين على تقييم أنفسنا بمنأى عنه. فالمجتمعات العربية مع الأسف، هي مجتمعات اجتماعية بشكل فوضوي لا يمكن من خلالها تحديد طبيعة العلاقات ليس مع الآخرين فقط بل حتى مع نفس الإنسان العربي ذاته، بالشكل الذي أصبح فيه هذا الإنسان يعيش بطريقة عشوائية لا يستطيع من خلالها فهم نفسه ومن ثم تحديد أهدافه في الحياة، وسلك الطرق التي تتناسب مع منطلقاته ودوافعه ورغباته. بهذه الكيفية ولغياب الفهم الحقيقي للإنسان العربي لذاته بكافة تفاصيلها أعيد ما سبق أن تحدثت عنه بأن كثيرا من الناس في مجتمعانا العربية أصبحوا يعتقدون، كردة فعل انفعالية لعدم القدرة على فهم الذات، بأن السعادة في الحياة الدنيوية هي شيء يستورد من الخارج لصنع الفرح والجمال في الداخل، ومن منطلق هذا التصور يرهنون أيامهم لركضٍ دائم للحصول على هذا الشيء وجلبه لأنفسهم، فلا يمنحهم هذا السعي الحثيث سوى حيرة وتعاسة أكبر. السعادة برأيي هي نوع من الصلح ما بيننا وبين أنفسنا وبالتالي تبقى دائماً وأبدا شيئا خاصا بنا وحدنا. شيء موجود داخل النفس البشرية وليس خارجها، والسعيد هو من استطاع الوصول إلى مكامن السعادة فيه، وأطلقها في روحه. فالجمال والتفاؤل والرؤية المبهجة للحياة ليست أبدا بالشيء المطلق بل هي تصور نسبي تحدده رؤيتنا الشخصية وتصوراتنا الذاتية التي تصبغ حالها على الأشياء فنعود ونراها قد اكتست به. برأيي أن هذه الحالة من الفوضى النفسية جعلت منا نحن العرب أناسا غير قادرين على الربط المنطقي ما بين دوافعنا للحياة وما بين الأهداف التي يفترض أن تكون هي المنطلق لها، بمعنى أننا نركز ونسعى ونحارب من أجل أهدافنا في الحياة دون أن نتوقف لوهلة أمام الدوافع القابعة خلفها، التي انطلقنا من خلالها، في حين أن الدوافع هي من تستحق التوقف أمامها وليس الأهداف، لكونها – أي الدوافع- هي المنبع الذي تولد من خلاله الحاجات والرغبات الداخلية للإنسان وبالتالي تصنع الأهداف. أتفق كثيرا مع عبدالحسين الجبوري، حينما قال: (إن الحاجات توجه سلوك الفرد لإشباعها، وتتوقف كثير من خصائص الشخصية عليها، وتنبع من حاجات الفرد وطرائق إشباعها قدرة الفرد على مساعدته للوصول إلى أفضل مستوى يسلكه. ويمكن إشباع الحاجات الثانوية في الاتجاه المطلوب، فالحاجة للانتماء مثلاً يمكن أن تتحقق من خلال التفاعل في جماعة متماسكة، وهكذا من ناحية أخرى، يسود الناس ميل إلى صياغة أهداف جديدة لأنفسهم حينما يمكنهم تحقيق هدف معين. فالفرد يعيش في حالةٍ من عدم الاتزان بينه وبين بيئته وهذا يدفعه إلى محاولة إعادة الاتزان بكل الوسائل المتاحة، فإذا خلت البيئة من الإمكانات والمقومات التي تساعده على إعادة الاتزان فإنه يعاني من الإحباط، وهو ما يسمى بانحراف السلوك، وهذا لا يعني أن الأفراد الأسوياء يكون بينهم وبين البيئة التي يتفاعلون معها اتزان دائم، هذا لا وجود له، وإنما هي حالات من الاتزان وعدم الاتزان ثم الاتزان ثانية وهكذا تستمر حياته).