الدمام – علي حسن الدولة السعودية الأولى كان لها اتصالات سياسية بالخارج لدورها في استقرار الخليج الملك المؤسس عبدالعزيز تشرَّب ملامح السياسة الدولية وهو في سن الشباب برفقة والده أربع دوائر ترسم سياسات المملكة خارجيا.. خليجيا وعربيا وإسلاميا ودوليا السعودية تنتهج تقوية علاقاتها الخارجية وعدم التدخل في شؤون الدول الأخرى لم تكن الدولة السعودية حديثة العهد بالسياسة الخارجية، فقد كان للدولة السعودية الأولى والثانية اتصالات سياسية بالدول العربية والإسلامية القائمة في ذلك الوقت، كما كان لهاتين الدولتين اتصالات سياسية مع الدول الأوروبية، خاصة بريطانيا وفرنسا، اللتين حرصتا على قيام نوع من العلاقة والاتصال بينهما كلٌٍ على حدة وبين الدولة السعودية، ضماناً لمصالحهما في الشرق، وكانت بريطانيا تسعى إلى ضمان استقرار نفوذها في الخليج العربي من خلال العمل مع الدولة السعودية الأولى ثم الثانية، لما لهما من نفوذ قوي في المناطق الشرقية من الجزيرة العربية، خاصة بلدان الخليج في تلك الحقبة. ويرى الباحث في كلية العلوم الاجتماعية في جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية، الدكتور محمد بن سليمان الخضيري، أن الملك عبدالعزيز، تشرَّب مبادئ السياسة عموماً، وملامح السياسة الدولية خصوصاً وهو في سن الشباب عندما كان في الكويت خلال السنوات الأولى من القرن ال14 الهجري، حيث كان مع والده الإمام عبدالرحمن، بعد سقوط الدولة السعودية الثانية، ففي ذلك الوقت كانت الكويت تعج بالمباحثات والتحاورات السياسية في مجلس الشيخ مبارك الصباح، أمير الكويت، بين ممثلي الدول العظمى في ذلك الوقت بريطانيا وفرنسا وألمانيا وروسيا والدولة العثمانية. وأظهر الملك عبدالعزيز، منذ صغره، نباهة فائقة مما دعا الشيخ مبارك، إلى أن يفسح له المجال لحضور تلك المجالس، بل والمشاركة أحياناً في بعض المناقشات، وكان لهذه المواهب والخبرات والتجارب التي عايشها الملك المؤسس عبدالعزيز، أثر إيجابي عليه خلال حكمه الذي تجاوز خمسين عاماً. ولعل المهتم أو الدارس للسياسة الخارجية يرى أن للمملكة العربية السعودية سياسة خارجية حظيت ولا زالت بإعجاب كثيرٍ من المحللين وصناع القرار في المحافل الدولية لما تتضمنه أجندات تلك السياسة من تكتيكات وخطوات تنفيذ للأهداف تتسم بالحصافة والذكاء والاعتدال والتمرس. وتقوم السياسة الخارجية للمملكة العربية السعودية على مبادئ وثوابت ومعطيات جغرافية، وتاريخية، ودينية، واقتصادية، وأمنية، وسياسية، وضمن أطر رئيسية أهمها حسن الجوار، وعدم التدخل في الشؤون الداخلية للدول الأخرى، وتعزيز العلاقات مع دول الخليج والجزيرة العربية، ودعم العلاقات مع الدول العربية والإسلامية بما يخدم المصالح المشتركة لهذه الدول، ويدافع عن قضاياها، وانتهاج سياسة عدم الانحياز، وإقامة علاقات تعاون مع الدول الصديقة، ولعب دور فاعل في إطار المنظمات الإقليمية والدولية. وتنشط هذه السياسة من خلال عدد من الدوائر الخليجية، والعربية، والإسلامية، والدولية. الدائرة الخليجية منذ تأسيس المملكة العربية السعودية على يد المغفور له بإذن الله الملك عبدالعزيز بن عبدالرحمن آل سعود، والدائرة الخليجية تعتبر من أهم دوائر السياسة الخارجية للسعودية، وذلك لأسباب عدة أهمها أواصر القربى، والارتباط التاريخي، والجوار الجغرافي المميز، الذي يجمع المملكة بدول الخليج العربية إلى جانب تماثل الأنظمة السياسية والاقتصادية القائمة فيها. وإيماناً من المملكة وباقي دول الخليج بالقواسم المشتركة بينها، ورغبة منها في توحيد وتنسيق السياسات المشتركة وأهمها الأمنية والدفاعية في خضم الأزمات والصراعات التي تحيط بالمنطقة، وتؤثر عليها بأشكال عدة، اتفقت إرادات قادة دول الخليج الست على إنشاء (مجلس التعاون لدول الخليج العربية) في عام 1981م، ليكون الإطار المؤسسي لتحقيق كل ما من شأنه الوصول إلى صياغة تكاملية تعاونية، تحقق كل رغبات وطموحات دول المجلس الست على المستوى الرسمي والشعبي على كل الأصعدة. وترتكز السياسة الخارجية السعودية في الدائرة الخليجية على أسس ومبادئ من أهمها: أن أمن واستقرار منطقة الخليج هو مسؤولية شعوب ودول المنطقة، وحق دول مجلس التعاون في الدفاع عن أمنها وصيانة استقلالها بالطرق التي تراها مناسبة وتكفلها مبادئ القانون الدولي العام، وذلك في مواجهة أي تحديات خارجية كانت أم داخلية، ورفض التدخل في الشؤون الداخلية لهذه الدول والعمل على الوقوف صفاً واحداً أمام أي اعتداء على أي من هذه الدول، معتبرة إياه اعتداءً على البقية، وتعزيز التعاون بين المملكة وبين دول المجلس، وتنمية العلاقات في مختلف المجالات من خلال تعميق وتوثيق الروابط والصلات التي تجمعها مع هذه الدول، وتنسيق السياسات الخارجية لدول المجلس قدر الإمكان، بخاصة تجاه القضايا الإقليمية والدولية المصيرية، وقد برز هذا التنسيق والتعاون جلياً في الأزمات التي مرت بالمنطقة، خاصة الحرب العراقية – الإيرانية، والغزو العراقي للكويت، والعمل الدؤوب والجاد على تصفية كافة الخلافات (خاصة الحدودية) بين دول المنطقة بالتفاهم القائم على مبادئ الأخوة وحسن الجوار، والحرص الشديد على أهمية التنسيق الاقتصادي بين دول المجلس من خلال الحث المستمر على توحيد السياسات الاقتصادية، وإقامة الصيغ التكاملية الملائمة مع إيلاء عناية خاصة لتنسيق السياسات النفطية لدول المجلس بما يخدم مصالحها باعتبار أن النفط سلعة استراتيجية لهذه الدول. الدائرة العربية أدركت المملكة العربية السعودية منذ تأسيسها أهمية العمل العربي المشترك، وتوحيد الصف العربي، لذا فقد سعت مع ست دول عربية مستقلة آنذاك للاجتماع في محاولة صادقة لوضع آلية لتنظيم العلاقات العربية والعمل العربي المشترك وخدمة مصالح هذه الدول وقضاياها، فكان إنشاء (جامعة الدول العربية) والتوقيع على ميثاقها في شهر مارس من العام 1945م. وترتكز السياسة الخارجية السعودية في دائرتها العربية على مبادئ وأسس ثابتة منها: حتمية الترابط بين العروبة والإسلام، فالمملكة تمتاز بكونها مهد الإسلام ومنبع العروبة، وهذا تأكيد سعودي دائم منذ عهد المؤسس الملك عبدالعزيز، طيب الله ثراه، ومن بعده أبناؤه، وضرورة التضامن العربي بما يقتضيه ذلك من التنسيق بين الدول العربية بهدف توحيد المواقف العربية وتسخير كل الإمكانات والموارد التي تملكها الدول العربية لخدمة المصالح العربية، والواقعية المتمثلة في البعد عن الشعارات والمزايدات المضرة لأمن واستقرار العالم العربي، والبعد عن التدخل في الشؤون الداخلية للدول العربية، والالتزام بمبدأ الأخوة العربية من خلال تقديم الدعم والمساعدة بكافة أشكالها. ونظراً لما للمملكة من مكانة ومصداقية في محيطها العربي، وما تتسم به سياستها من توازن وعقلانية فقد لعبت دوراً مهماً كوسيط نزيه ومقبول لحل الخلافات العربية الداخلية والإقليمية، انطلاقاً من اهتمامها بالمحافظة على التضامن العربي، وقامت بجهود توفيقية عظيمة هدفها إزالة الخلافات العربية الجانبية التي تفتُّ في عضد ووحدة الصف العربي. وفي هذا الإطار، أولت حكومة المملكة اهتماماً خاصاً بالقضية الفلسطينية باعتبارها قضية العرب والمسلمين الأولى، وعنصراً رئيسياً في سياستها الخارجية، ولا غرو في ذلك، والمملكة تحمل على عاتقها منذ عهد المغفور له بإذن الله الملك عبدالعزيز آل سعود، الدفاع عن القضية الفلسطينية في كل المحافل الدولية، ولم تتخاذل أو تتقاعس يوماً عن نصرة القضية تحت أي ذريعة بل نذرت نفسها لخدمة القضية نحو الوصول إلى حلول أو تسوية عادلة. الدائرة الإسلامية كان الإسلام ولا يظل أهم العوامل المؤثرة في عملية تحديد أولويات السياسة الخارجية السعودية، فالمملكة ومنذ نشأتها تعمل على حشد وتكريس قدراتها ومواردها وتسخيرها لخدمة قضايا العالم الإسلامي، وتحقيق أسباب ترابطه وتضامنه، استناداً إلى حقيقة الانتماء إلى عقيدة واحدة، وأن التكافل الإسلامي هو السبيل لاستعادة المسلمين مكانتهم وعزتهم. وفي سبيل تحقيق التضامن الإسلامي سعت المملكة وبادرت مع شقيقاتها الدول الإسلامية إلى إقامة منظومة من المؤسسات الإسلامية الحكومية وغير الحكومية ومنها رابطة العالم الإسلامي في عام 1962م، ومنظمة المؤتمر الإسلامي في عام 1969م، واحتضنت المملكة مقريهما، وينبع ذلك الجهد من التصور التكاملي لمعنى التضامن الإسلامي الذي يشمل عدة مفاهيم لعل أهمها مفهوم الأمن الجماعي للدول الإسلامية، والعمل على تسوية المنازعات بين الدول الإسلامية بالطرق السلمية، وتقديم المعونات الاقتصادية للدول والمجتمعات الإسلامية ذات الإمكانات المحدودة، وتقديم المساعدة والإغاثة العاجلة للدول الإسلامية المنكوبة، ومناصرة المسلمين والدفاع عن قضاياهم، وتوفير الدعم المادي والمعنوي للتجمعات الإسلامية أينما كانت من خلال المساهمة السخية في بناء المساجد وإنشاء المراكز الحضارية الإسلامية. ويمكن القول إن السياسة الخارجية السعودية في الدائرة الإسلامية تسعى إلى تحقيق عدة أهداف هي: تحقيق التضامن الإسلامي الشامل، وفتح آفاق جديدة للتعاون الاقتصادي بين الدول الإسلامية تهدف إلى دعم قدراتها ومواردها على مختلف المستويات، والتصدي للاجتياح الثقافي والغزو الفكري الذي يهدد العالم الإسلامي بأشكال وأساليب مختلفة، والعمل على تطوير منظمة المؤتمر الإسلامي ودعم أدائها لتحقيق مزيدٍ من الفاعلية لمواجهة المشكلات التي يتعرض لها العالم الإسلامي، وتفعيل دور الدول الإسلامية في ظل النظام العالمي الجديد، وتقديم الدعم والنصرة للأقليات المسلمة في جميع دول العالم، والدفاع عن حقوقهم الشرعية وفق مبادئ القانون الدولي العام، وتقديم الصورة المشرقة والحقيقة للدين الإسلامي وشريعته السمحاء، والذود عن حياض الإسلام من جميع ما ينسب إليه من ادعاءات وافتراءات محضة كالإرهاب وانتهاك حقوق الإنسان. الدائرة الدولية تحرص المملكة في المجال الدولي على إقامة علاقات متكافئة مع القوى الكبرى التي ارتبطت معها بشبكة من المصالح، التي يمكن وصفها بأنها جاءت انعكاسا لدورها المحوري المتنامي في العالمين العربي والإسلامي، التي سعت من خلالهما إلى توسيع دائرة التحرك السعودي على صعيد المجتمع الدولي، لذا تحاول المملكة أن تتفاعل مع مراكز الثقل والتأثير في السياسة الدولية، آخذة في الحسبان كل ما يترتب على هذه السياسة من تبعات ومسؤوليات. وتعتز المملكة بكونها أحد الأعضاء المؤسسين لهيئة الأممالمتحدة في عام 1945م، انطلاقاً من إيمانها العميق بأن السلام العالمي هدف من أهداف سياستها الخارجية، فهي تدعو باستمرار إلى أسس أكثر شفافية للعدالة في التعامل بين الدول في المجالات السياسية والاقتصادية والاجتماعية وغيرها، باعتبارها السبيل الوحيد إلى الازدهار والرخاء والاستقرار في العالم، ومن ثم فإنها لا تؤمن باستخدام القوة كأداة من أدوات تنفيذ السياسة الخارجية، ولكنها تؤمن في ذات الوقت بحق الدفاع المشروع عن النفس وذلك كقاعدة من قواعد القانون الدولي. وإيماناً من المملكة بأهمية الدور الذي تلعبه هيئة الأممالمتحدة ووكالاتها المتخصصة والمنظمات الدولية عموماً في سبيل رقي وازدهار المجتمع الدولي في كافة المجالات، وفي مقدمتها الأمن والسلم الدوليان، انضمت المملكة إلى كل هذه المنظمات وحرصت على دعم هذه المنظومة الدولية بكل الوسائل والسبل المادية والمعنوية والمشاركة الفاعلة في أنشطتها. ويمكن القول: إن السياسة الخارجية السعودية في المجال الدولي تستند إلى أسس ومبادئ مستقرة وواضحة منها: حرص المملكة على التفاعل مع المجتمع الدولي من خلال التزامها بميثاق الأممالمتحدة والمعاهدات والاتفاقيات الدولية المنضمة إليها، وقواعد القانون الدولي التي تحدد إطار السلوك العام للدول والمجتمعات المتحضرة، والتزام المملكة بعدم استخدام القوة في العلاقات الدولية، وعدم التدخل في الشؤون الداخلية للغير، وشجب العنف وجميع الوسائل التي تخل بالأمن والسلم الدوليين، والتأكيد على مبدأ التعايش السلمي بين دول العالم، والحرص على استقرار أسواق النفط العالمية، والسعي إلى تنمية التجارة الدولية على أسس عادلة من خلال أسس اقتصاديات السوق الحر، وصبغ السياسة الخارجية السعودية بصبغة أخلاقية من خلال تبنّيها مبدأ مساندة ضحايا الكوارث الطبيعية والمشردين واللاجئين في عديدٍ من دول العالم. الإمام عبدالرحمن بن فيصل بن تركي