أفاد عدد من عشاق الموسيقى أنها رفيقتهم في الحل والترحال، رغم القيود الدينية والمجتمعية، ورغم نظرة المجتمع التي قد ترفض «التمايل» مع الموسيقى، إلا أنهم أكدوا أنها حالة «فطرية»، ولا إرادية. ويرى الكاتب مؤمن زكارنة أنه في «حالة عشق أزلي مع الموسيقى». ويوضح «ككاتب نص أدبي، لا أستطيع أحياناً الكتابة بلا طقوس خاصة، ومن مؤهبات الطقوس، الموسيقى بأنواعها»، مشيراً إلى الدينية والروحانية منها. ويندمج زكارنة مع الموسيقى، معتقداً أن التفاعل معها يعطي «رونقاً خاصاً للاستماع». وتأخذ الموسيقى رسام الكاريكاتير ماهر عاشور بعيداً، ليقول «لا شعورياً، أغمض عيني وأقوم بتحريك ذراعي، وتبدأ الانفعالات في الوجه بكل أجزائه». ويقول عاشور إنه يؤمن بالعلاقة الوطيدة والخفية بين الموسيقى والجسد، معداً إياها علاقة فطرية. ويرى المؤلف الموسيقي المسرحي محمد سلمان أن الموسيقى لغة المشاعر العالمية التي نتواصل من خلالها مع الآخرين، حيث نصف الحب والفرح والحزن والألم، ومن خلالها تتحدد هويتنا وثقافتنا. ويرى أن «الرقص هو حالة حميمية بين اللحن والجسد، حيث تفيض المشاعر لتحتوي الجسد، وليترجم الإيقاع الراقص»، مشيراً إلى رقصة «الفلامنكو»، كونها من التراث الإسباني الشعبي. ويضيف، «كان بمثابة ترجمة لحياة الناس اليومية، بما فيها من معاناة، ورفض للعنصرية، إذ تصاحب الموسيقى رقصة تجسد الحرية والجمال». ويقول الفنان عماد محمد إنه لا يستطيع العيش بدون موسيقى، معداً إياها غذاء روحه، «أشعر أن كل ما حولي موسيقى، ابتداءً من صوت الهواء، وصوت الشلالات، وآهات وصوت الإنسان، وصولاً إلى آلات الموسيقى». ويراها باختصار، «تعبيراً وخطاباً روحياً للإنسان في جميع مشاعره»، أما عن الرقص فهو في رأي محمد «حالة تعبير عن البهجة، ويضفي التفاؤل، ومن الممكن أن يكون ترويحاً عن النفس من ضجر الحياة». وتعد الإعلامية بثينة النصر الموسيقى بحراً لا ينتهي من السمع والإصغاء، «أسمعها في كل شيء، في هبوب الريح، وهدير الموج، وزخات المطر، وحتى في طرطشة زيت البطاطا المقلي». وتسمع النصر الموسيقى من مختلف الثقافات، وتدرس ثقافة البلد الموسيقية قبل أن تزوره، «أحاول أن أستوعب تناغم أهلها معها»، مطلقة العنان لجسدها بالتحليق على أنغام الموسيقى، دون تردد، «وأينما كنت أسأل لماذا؟ وأجده غريباً، فالفطرة الإنسانية هي كذلك، فكم أستمتع بمشاهدة الأطفال وهم يبدعون بحرية في التناغم مع الألحان». علاج لم يجرب الاختصاصي السلوكي أحمد السعيد العلاج بموسيقى الآلات، لكنه يعتقد بنجاعته، نظراً لما اطلع عليه من بحوث علمية حول ذلك. استخدم في عيادته «البديل»، أي موسيقى الطبيعة، وموج البحر، وأصوات الطيور، والرياح، حيث يستخدمها أثناء العلاج، معتقداً بأثرها الإيجابي القوي. لم يجرب السعيد العلاج بالموسيقى، لكن ذلك ليس تقليلاً من شأن الموسيقى والعلاج بها، أو لأنه غير مقتنع بذلك، ويتساءل: هل فعلاً مرضاي بحاجة إلى هذا النوع من العلاج؟ يجيب، «بحكم تجربة عمرها 28 عاماً، لم أكن مضطراً لذلك». ويعتقد الملحن شكري عاشور أن الموسيقى ليست للعلاج فقط، «بل ضرورية لأي إنسان يعيش في الحياة، ولا شك أنها تساهم في إراحة النفس، كما أنها تزرع السلام داخل النفس، ومع الآخرين». واعترض عاشور على مفردة «نشوة»: لا توجد نشوة في الموسيقى، أو بعدها. وكوني موسيقياً وعازفاً، فالشعور الذي في داخلي، حين أعزف، أو أسمع الموسيقى، أسمى بكثير من الكلمات التي يزج بها بعضهم لوصف الموسيقى. ويرى عاشور أن الموسيقى أمر روحاني، وبعيد عن الدنيوية، وأن الرقص غريزة بشرية أكثر من كونه حالة نفسية، ومتى ما وجدت الموسيقى يوجد الرقص، فكلاهما يرفع روح الإنسان إلى سماء نقية مليئة بالحب والإخاء والتسامح». واستفادت المدرستان السلوكية والمعرفية من الموسيقى، عبر تأثيرها على الاسترخاء الذهني والعضلي والتنويم الإيحائي، حسب الاختصاصي النفسي فيصل آل عجيان، فالضغوط والمشاكل النفسية يؤثران على العضلات، وقد يصاحبهما تشنج يعالج بالاسترخاء المتمثل بالموسيقى، بشرط أن يكون المتعالج ليس لديه أي موانع دينية، لأنه إذا شعر بالذنب سيفقد الاسترخاء أثره، مضرباً «يمكن الوصول للاسترخاء بدون موسيقى». ويرجع آل عجيان الرقص إلى علم النفس، فحسب فرويد، «الرقص أحد أشكال الفن، وهو حيلة لا شعورية، أو وسيلة لتحقيق الرغبات الأولية، كالجنس والشهرة والسلطة والشرف. وفيما يحبطها الواقع والقانون، يلجأ الموسيقي للحيل التي تحميه من مخاوف لا شعورية مكبوتة، وإخصاء أبوي راسخ متراكم عبر تعاليم ونواهي الأب والمجتمع والواقع، من خلال لاءات المنع من تحقيق الشهوات، فالإخصاء هو «لا تفعل» لا، لا، لا، وهو ما يولد الخوف من المجتمع، والشعور بالذنب، وكذلك بالكراهية للمحفزات المثيرة والجمال». ويشير آل عجيان إلى كون الفرد المقموع غير قادر على التعبير الصريح عن رغباته، فيحدث صراع بين رغبة الجسد والشهوة من جهة، وبين الأنا والقانون والأعراف والمجتمع، وبين ما يؤمن به الفرد والضمير والدين، فيلجأ إلى حيلة التسامي، الذي يجعل الفرد يخبئ ارتباط الرقص بإغراء وإغواء الجسد، وإظهار أن الشهوة في لوحة فنية قيمية ثقافية لتفادي تعذيب الأنا الأعلى من جهة، واستخدام الفن كواقٍ ضد رصاص المجتمع، والاستعداد له بمرافعة، في حال مارس الإخصاء، أنه سييء الذوق. ويؤكد، «يبقى الممارس والمتلقي، فناناً كان، أو متذوقاً، أو صوفياً، يتلذذ بالتسامي، فيستوطن عالمه ويتغلغل في ملذاته، دون أن يكون آثماً، بل ويخرج من العملية، وهو صاحب ثقافة وفن، دافعاً ال«هو»، مستودع الغرائز الفطرية، للغواية في غفلة من «الأنا»، ورضاً من «الأنا الأعلى». مؤمن زكارنة شكري عاشور الموسيقى علاج يستفاد منه في تربية الأطفال (الشرق)