حين أستعيد الذاكرة من ألمانيا أتعجب. لقد أمضيت في مدينة سيلب الألمانية في منطقة بافاريا أكثر من عام ((Selb – Oberfranken- Fichtelgebirge – Bayern ) لا أتذكر أنني استقبلت حادثا وعائيا واحدا مع مريض مصاب برضوض واسعة فيها أحد عشر كسرا. المريضة المصرية تغريد أذكرها جيدا من العناية المركزة في القصيم. عددت الكسور كانت 11 كسرا كما كان عدد كواكب يوسف!. كررت في نفسي هل بقي شيء «صاغ سليم» في جسمها. إذا تكسرت بهذه الطريقة مثل لوح زجاج به درزن من الكسور فلا شك أن هناك درزنا مخفيا من كسور لم تشخص. جراحو الصدر يعرفون هذا فيقولون إذا لاحظنا كسور ثلاثة أضلاع في الصدر، فاحسب أن هناك أكثر من عشرة .. اعتبر أن كل الصدر مصاب. أتذكر كتاب (الكراديب) لتركي الحمد حين يروي ركوبه القطار من الدمام إلى الرياض وكيف يتدافع الناس للخروج؟ وقف يتأملهم ويقول وكأن هناك أمرا فظيعا وموعد لقاء هام ينتظر كل واحد. أذكر جيدا تلك السيارة التي مرت بجانبي عند حدود الطائف وكأنها صاروخ. قلت لبناتي إنه يذكرني بأفلام جرندايزر للأطفال بالسرعة. ثم لنكتشف أنه بعد أن تجاوزنا هبط كجلمود صخر حطه السيل من علٍ. حط هذا الصقر عند مطعم للرز البخاري. صار عندنا مصطلح لأمثال هؤلاء إذا لاحظنا نزقهم وسرعتهم ومخالفتهم لقواعد المرور، والمخاطرة بحياتهم والناس: عنده موعد مهم في مطعم الرز البخاري. في رمضان يجدر بالناس أن يصبحوا ألطف وأكثر سكونا. الحديث يقول إن الشياطين تسلسل في رمضان. أقول في نفسي الشياطين تسلسل، أما هؤلاء البشر فلا سلسال لهم. حين أضرب في غابات الذاكرة، وكم عدد حوادث الطرق التي نالتني خلال 36 سنة، أذكر خمسا منها اثنتان في ألمانيا وواحدة في إسبانيا واثنتان في السعودية. وهذا رقم قياسي في قلة الحوادث. كان الحادث الأليم من فرط التعب فنمت فعملت حادثا. كان ذلك عام 1976م بعد أخذي الشهادة بفترة قصيرة، وسفري لزيارة صديقي توفيق هنادي في أقصى الغرب من ألمانيا في منطقة السارلاند (Homburg – Saarland) فكان سبب الحادث الأول النوم. سافرت في عطلة نهاية الأسبوع، ووصلت بسلام، أما العودة فكانت سخام. لا تعد سواقة السائق بعد أخذ شهادة السير على نحو آمن حتى يقود مسافة 10 20 ألف كيلومتر، أي سنة كاملة من القيادة. ذكرى لأولي الألباب. أبو الحوادث وأمها السرعة. أخوها النوم. وأختها السكر. عمها مخالفة قواعد السير. وخالها الضباب. وخالتها عدم الانتباه للصيانة.