كنا صغاراً نتابع بشغف تلك المسلسلات التاريخية التي تحمل الزمن الأخضر الجميل.. كنا نبحث عن البطل العربي المسلم في مسلسل أذكر تفاصيله تماماً رغم مرور ربع قرن عليه.. كان بعنوان (الفتوحات الإسلامية) وكان يحمل لنا رائحة المجد في (قادسية سعد) وانكسار الروم في يرموك خالد وأبي عبيدة.. كان يلمع في بياضه وسواده كل تلك السيوف التي دانت لها الأرض من مهبط الوحي حتى جبال البرانس في قلب أوروبا.. كان مسلسلاً برغم صورة الدماء التي تلطخ ثياب الممثلين فيه في كل لقطة تقريباً رائعاً وحلماً جميلاً تفاعلنا معه كثيراً مما يجعلني أؤكد دائماً على أن القرية ذاكرة التاريخ وعلى أن القرويين هم أشد الناس التصاقاً بكل مجد غابر..! وربما كان هذا التأكيد منطقياً لكن يبدوأن الأمر تجاوز ذلك كثيراً..! قبل أيام فقط طلبت مني طفلتي مجموعة من أفلام (الكرتون المدبلج).. اصطحبتها إلى محل بيع الأشرطة وأخذ البائع يستعرض لنا ما لديه اختارت هي ما اختارت في حين اخترت أنا باسمها شريط (جرندايزر)..! أعلم أن هذا (الشريط) أو هذا الفيلم ربما كان غير ذي جدوى للأطفال.. لكنني اخترته باسمها لي..! أخي الأكبر ينعتني دائماً بالطفولة المتأخرة، لذلك احتليت موقع طفلتي في غرفتها وأخذت اتابع فيلم جرندايزر عبر الفيديو..! هذا الكرتون المدبلج كان التلفزيون السعودي يعرضه (حينما لم يكن هناك شاشة غيره) قبل أكثر من عقدين من الزمان وكنا آنذاك قرويين صغاراً نتابعه بشغف ونبحث فيه عن البطل العربي المفقود.. مناهجنا الدراسية آنذاك كانت تشحننا شحناً نفسياً بدائياً جداً لننشأ شباباً نعتد بقيمنا ومبادئنا وقضايانا كما كان يتوهم أولو العصا الطويلة من العلم.. لذلك كانت قضية (فلسطين) هي كل ما يشغلنا.. ومن هنا تحديداً أذكر انني سألت صديق اللعب يوماً: (لو كان عند العرب جرندايزر هل يمكنهم تحرير فلسطين؟!!) لم أكن حينها أعلم التفسير اللغويين للحرف (لو) ولم أكن أعلم أيضاً أن فلسطين ستنقسم إلى شطرين كما ينقسم جرندايزر إلى طبق وفارس..! ولم أكن أعلم كذلك أننا بسلامنا أو استسلامنا إنما نجهض كل رحم يمكن أن ينجب جرندايزر عربي يقوم بتحرير فلسطين القضية الأم لطفولتنا الحالمة.. لكنني اليوم.. بدون شك أعلم تماماً مدى العمق النفسي لمثل هذا السؤال الساذج.. بل إنني بت أفهم أيضاً أين تكمنُ الطفولة المتأخرة يا أخي!