بعثت إحداهن برسالةٍ إلى زوجِها، فلما فتحها فإذا هي صورةٌ لضريحِ بلقيس – الزوجةُ الثانيةُ لنزار قباني – وقد كُتب على النَصبِ بتوقيعِ نزار قباني: بلقيسُ .. يا عطراً بذاكرتي .. يا زوجتي .. و حبيبتي .. و قصيدتي نامي بحفظ اللهِ .. أيتها الجميلة فالشعرُ بعدكِ مستحيلٌ .. والأنوثةُ مستحيلة. ثم بعثت إليه برسالةٍ ثانيةٍ تقولُ فيها : لا نريدُكم مثلَ نزار، نريد فقط أن نبذرَ فيكم ثقافةَ الإخلاصِ والحبِ والإحساسِ، بدلاً من هذا الجفافِ المطبقِ على مشاعرِكم. فإذا لم نحصده نحن في حياتِنا حصدنه غيرُنا من الجيلِ القادمِ، لأني على ثقةٍ من أن تراكماتِ تاريخٍ طويلٍ من الإحساسِ أحادي الاتجاه لا يمكنُ التأثيرُ عليه بين يومٍ وليلةٍ. نظَرَ إلى الرسالةِ ببرودٍ شديدٍ فابتسمَ ساخراً والدخانُ يتصاعدُ بين شفتيه، ثم كتبَ رداً يقولُ فيه : الله ! … من أنتِ ! ديليا بيكون … التي ظلت تحومُ حول مدفنِ شكسبير تحاولُ فتحَه، حتى أصيبت بالجنون!… ثم: ما بِهِ الحبّ من جانبٍ واحدٍ؟! … إنه – على رأي القصيبي- أعنفُ أنواعِ الحب، لا توجد فيه منافساتٌ، ولا مشاحناتٌ ، ولا مشاجراتٌ ، ولا إمكانية للفتورِ ، ولا احتمال للمللِ ، ولا أمل في الفراق. ثم أتبعها برسالةٍ أخرى : تدرين… موتي وسترينَ ما أفعل؟!. قالت : أعرفُ أنك تتمنى ذلك، وتودُ أن تسيرَ في جنازتي، إحساسي يخبرني بأنك ستتزوجُ وقبري ما يزال رطباً، إن هذا هو ما كنتُ أشعر به منذُ زمن ٍبعيد، حتى جاء اليومُ الذي اعترفتَ فيه بلسانِك … يا خائن! يا … هل نسيتَ قبل ستةِ شهورٍ حين طلبتُ منك أن نذهبَ إلى العشاءِ خارج البيتِ فرفضت ؟! … وهل نسيتَ أنك نسيتَ تاريخَ زواجِنا واحتفلتُ بذلك وحدي … لكنني مغفلةٌ تقومُ بإسكاتي بكلماتٍ الله وحده يعلم من أين تأتي بها! … فلما شعرَ أن الأمرَ تحولَ إلى ما يشبه الجد، أراد تلطيفَ الجوِّ، فبعثَ إليها برسالةٍ يقول فيها : حبيبتي… هل صدقتِ نزاراً؟! … إنه كغيرِه من الشعراء الذين يقولون ما لا يفعلون، وإن له تاريخاً من العربدةِ والمجونِ ما بلغ أحدُنا مُدَّ ما بلغَه ولا نصيفَه. صدقيني لقد قال في غير زوجاتِه أعظمَ مما قال في زوجاتِه، واعترف مرةً بعد مرةٍ أن له علاقاتٍ متعددة وغير بريئةٍ مع النساءِ والعياذُ بالله، فكل امرأةٍ يتعرَّفُ عليها يحبُها كما لو أنها حبّه الأول، ولقد قال ذات يوم : ( كلُّ أنثى أحبُّ ، أولُ أنثى – ليس عندي في الحبِّ ، حبٌّ أخيرُ ..)، صدقيني أن الشعراءَ بإمكانِهم أن يجعلوا من الغول إمبراطوراً والإمبراطور غولاً و هم كما قيل : ( لو كان إبليس سلطاناً من سلاطين هذه الدنيا لجعلوه مثل يوسف الصديق جمالاً وبهاءً) . ثم أتدرين أن بلقيسَ هي الزوجةُ الثانيةُ لنزارٍ، ولم يكتب عنها بشعور إلا حين ماتت، فالراحلون كما تعلمين نتذكرهم من باب ذكرياتنا معهم، أكثر مما نتذكرهم من باب الاشتياق إليهم. هل تريدين مني أن أكونَ مثلَ نزارٍ فأتزوج بثانيةٍ؟! … أرجو أن تجيبي بنعم أو لا. لم تمض دقائق على إرسالِ رسالتِه الأخيرة، حتى رنَّ هاتفُه الجوال، فإذا بها زوجته تتحدثُ إليه بصوتٍ مرتفعٍ يغيرُ في نبرتِه نشيجُها المتقطعُ طالبةً منه أن يطلقَها، مخبرةً إياه أنها اتصلت بأحدِ إخوانِها من أجلِ أن يذهبَ بها إلى بيتِ أهلِها، مقسمةً أنها لن تعودَ إلى بيتِه مرةً ثانيةً ما دام أنه يتخذُ من هذا الماجنِ المدعو نزار قباني قدوةً له ويحفظُ أشعارَه !. ثم أغلقت الهاتفَ في وجهِه وقالت في نفسها : ( يعني ما فيه غير نزار هذا ! … لا حول ولا قوة إلا بالله) صمتَ لبرهةٍ وقال بهمس : (أأُحاسب امرأةً على نسيانِها؟ … و متى استقامَ مع النساءِ حسابُ؟) .ثم تناهى إلى مسامعِه قولُ فرويد على لسانِ أحدِ الجالسين : بعد ثلاثين عاماً من الدراسةِ والبحثِ والفحصِ والتأملِ لم أستطع أن أعرفَ ما الذي تريدُه المرأةُ بالضبط!.