أين نزار قباني اليوم عندما نحتاج إليه؟ قبل أيام أعدتُ قراءة قصيدته المشهورة في تونس ووجدتها أكثر صدقاً اليوم منها يوم قيلت قبل 30 سنة أو نحوها، فهي تبكي الهوى، وتعكس نوع العلاقة بين الحاكم والمحكوم، كما لا يستطيع غيره شعراً أو نثراً. هو يبدأ بالغزل: يا تونس الخضراء جئتك عاشقاً / وعلى جبيني وردة وكتاب إني الدمشقي الذي احترف الهوى / فاخضوضرت بغنائه الأعشاب أحرقت من خلفي جميع مراكبي / إن الهوى ألا يكون إياب أنا فوق أجفان النساء مكسر / قطعاً فعمري الموج والأخشاب لم أنس أسماء النساء... وإنما / للحسن أسباب ولي أسباب أأحاسب امرأة على نسيانها / ومتى استقام مع النساء حساب ما تبت عن عشقي ولا استغفرته / ما أسخف العشاق إن هم تابوا ونزار يسافر إلى تونس ويحمل دمشق معه فيقول: قمر دمشقي يسافر في دمي / وبلابل وسنابل وقباب الفل يبدأ من دمشق بياضه / وبعطرها تتطيب الأطياب والماء يبدأ من دمشق فحيثما / أسندت رأسك جدول ينساب والشعر عصفور يمد جناحه / فوق الشآم وشاعر جواب والحب يبدأ من دمشق فأهلنا / عبدوا الجمال وذوبوه وذابوا والخيل تبدأ من دمشق مسارها / وتشد للفتح الكبير ركاب والدهر يبدأ من دمشق وعندها / تبقى اللغات وتحفظ الأنساب ودمشق تعطي للعروبة شكلها / وبأرضها تتشكل الأحقاب بدأ الزفاف فمن تكون مضيفتي / هذا المساء ومن هو العراب أأنا مغني القصر يا قرطاجة / كيف الحضور وما علي ثياب ماذا أقول؟ فمي يفتش عن فمي / والمفردات حجارة وتراب ويصيب نزار وتراً في قلب كل سوري وعربي وهو يكمل قائلاً: من أين يأتي الشعر؟ حين نهارنا / قمع وحين مساؤنا إرهاب سرقوا أصابعنا وعطر حروفنا / فبأي شيء يكتب الكتاب والحكم شرطي يسير وراءنا / سراً فنكهة خبزنا استجواب الشعر رغم سياطهم وسجونهم / ملك وهم في بابه حجاب من أين أدخل في القصيدة يا ترى / وحدائق الشعر الجميل خراب ويتحدث نزار باسمنا جميعاً وهو يستعيد أين كنا وأين صرنا، وما حلّ بالعروبة والعرب: هل في العيونالتونسية شاطئ / ترتاح فوق رماله الأعصاب أنا يا صديقة متعب بعروبتي / فهل العروبة لعنة وعقاب أمشي على ورق الخريطة خائفاً / فعلى الخريطة كلنا أغراب أتكلم الفصحى أمام عشيرتي / وأعيد... لكن ما هناك جواب يا تونس الخضراء كيف خلاصنا / لم يبق من كتب السماء كتاب فكأنما كتب التراث خرافة / كبرى فلا عمرٌ... ولا خطاب وختام القصيدة مسك كبدئها، وتدمع عيني على أيام معه وجلسات وأحاديث، وأنظر حولي وأقول بالعامية «ما في متلو»: إن الجنون وراء نصف قصائدي / أوليس في بعض الجنون صواب؟ فتحملي غضبي الجميل فربما / ثارت على أمر السماء هضاب فإذا صرخت بوجه من أحببتهم / فلكي يعيش الحب والأحباب وإذا قسوت على العروبة مرة / فلقد تضيق بكحلها الأهداب فلربما تجد العروبة نفسها / ويضيء في قلب الظلام شهاب ولقد تطير من العقال حمامة / ومن العباءة تطلع الأعشاب قرطاجة: قرطاجة: قرطاجة: / هل لي لصدرك رجعة ومتاب؟ لا تغضبي مني إذا غلب الهوى / إن الهوى في طبعه غلاب فذنوب شعري كلها مغفورة / والله جلّ جلاله التواب [email protected]