انتهينا من الكلام على أننا من أكثر شعوب العالم استهلاكا للمياه يفوق المعدل العالمي بنحو %91 ونزيد على البريطانيين بنحو ستة أضعاف، كما أن %82 من شرائح المجتمع السعودي لا يطبقون أية إجراءات لترشيد استهلاك المياه، ونعلم أيضا أن الدولة أنفقت مئات المليارات لتحلية المياه المالحة في بلد يعاني أساسا من شح في موارده المائية، وتضخها إلى البيوت بأرخص الأثمان لكن وصلنا إلى قاعدة ذهبية هي أن الدولة تنفق على التحلية بسخاء ونحن في المقابل ننفق هذه المياه بسخاء مضاعف، وهذه المياه على الرغم من تكلفتها العالية وتحليتها وفق أحدث التقنيات العالمية فإننا لا نثق فيها ولا في صلاحيتها للشرب ونستخدمها في الطبخ وغسيل الأواني والملابس والسيارات والمنازل ودورات المياه وسقيا الأشجار، أما الشرب فنحن نستخدم الأوعية البلاستيكية المعبأة حتى وصل استهلاك الأسرة السعودية لها إلى نحو مليار ريال تنفق على 2.5 مليار لتر وينتجها أكثر من سبعين مصنعا للمياه في السعودية، ويظل السؤال الملح لماذا تنفق الدولة كل هذه المبالغ الطائلة وتضمن كذلك سلامتها وصلاحيتها للشرب إلى جدار منازلنا ومع ذلك لانثق في شربنا لها ونلجأ إلى المياه المعبأة في آلاف المحلات المنتشرة في مدننا وقرانا والتي لا تعالج المياه وإنما تعبئها من وايتات مياه التحلية وفي ظروف تفتقد لأبسط الاشتراطات الصحية بينما نجد الناس في كثير من الدول المتقدمة وليست الفقيرة يشربون من مياه الصنابير القادمة من المواسير مباشرة. أزمة الثقة هذه نشأت من مسافة قصيرة هي خزانات مياه المنازل سيئة الوضع والنظافة وسوء حالة التمديدات المنزلية الصدئة، ولعل نظرة في كثير من الخزانات تجعلك تكتشف مخلفات العمارة والحشرات الحية والمتحللة وربما بعض الحيوانات الميتة ومع ذلك لاتوجد جهة تشرف عليها لا البلديات ولا الصحة ولا المياه ولا الغذاء والدواء ولا الجني الأزرق، وهذا الفراغ جعل محلات المياه المعبأة بحالتها السيئة في الأحياء تسيطر عليها عمالة تسرح وتمرح لايشرف عليها أحد إلا البلديات من ناحية التراخيص وأحيانا نظافة المدخل والأرضيات أما ماعدا ذلك فنحن نشرب مالا نعرف مصدره ولا حالته في عبوات بلاستيكية زرقاء متسدحة أمام كل منزل لدينا والله يستر.