رغم تعدد مصادرها واختلاف مسمياتها والتشكيك الذي يطال في صلاحيتها أو مطابقتها للمواصفات واشتراطات السلامة، إلا أن عدد مستهلكي المياه الصحية في ازدياد مستمر، حيث تجوب السيارات المحملة بالعبوات البلاستيكية المعروفة شوارع المدن وأزقتها والتنافس في جذب أكبر قدر من الزبائن والمستهلكين الذين لا يعلمون ماذا يشربون أو من أين يشربون، المهم أنهم يشربون مياها كتب على تبواتها أنها نقية معالجة من الشوائب وخالية من التلوث، وبالمقابل يعتقد الخبراء أن الاعتماد على المياه «الصحية» أو المعالجة مجرد وهم لا يعتمد على حقائق علمية، وأن استخدام مياه التحلية مباشرة من الشبكة في الشرب أمر جيد ومطلوب ومعمول به في كثير من الدول المتطورة، باعتباره يعطي نوعية جيدة من المياه الصالحة للشرب تحت إشراف ومراقبة فنيين مختصين في التعقيم، شريطة أن تكون الشبكة من مواد لا تصدأ وخالية من التآكل.. وبين تجاذب الرأيين يبقى السؤال الصعب الذي يراود البعض ويتجاهله البعض الآخر رغم معرفته بحقيقة تردي مستوى النظافة وتغير طعم المياه نتيجة سوء التعبئة في عدد من محطات تنقية وتعبئة المياه الصحية المعروفة.. وللإلقاء الضوء على هذه القضية استطلعت «عكاظ» آراء العاملين في محال بيع المياه والمستهلكين وأيضا توجيهات وإرشادات الأطباء والمختصين. كشفت جولة «عكاظ» على عدد من محال تعبئة وتنقية مياه الشرب في جدة، التباين الواضح في مستوى النظافة بين مكان وآخر، ففي الوقت الذي تهتم فيه بعض المحال بالنظافة العامة، تجد البعض يعاني من سوء نظافة واضح، وهنا أكد سلمان علي، على مستوى التباين في مستوى النظافة بين محل وآخر، وقال: وجدت يوما أن طعم المياه متغير، فألغيت اشتراكي مع المؤسسة الموردة، فيما طالب محمد صالح أمانة جدة بمضاعفة فرق التفتيش وتكثيف الجولات لمفاجئة تلك المحال وبشكل مستمر. فيما اعتبر سليمان الزهراني الكثير من تلك المحال لا تطبق الاشتراطات الصحية ويجب إغلاقها بصفة تامة. من جهته، طالب عبداللطيف السوادي (موظف حكومي) بزيادة الرقابة والمتابعة الميدانية على مصانع معالجة المياه، خصوصا في شهر رمضان الذي يشهد عادة زيادة في الاستهلاك، وفرض الغرامات المالية المناسبة على كل من يتاجر بصحة وحياة الناس، وذلك من خلال معالجة المياه في بعض مصانع معالجة المياه بطرق غير صحية ولا تتناسب مع الاشتراطات العامة، بينما ذكر علي سعيد الزهراني، دور المياه في حياة الإنسان، مبينا انتشار مصانع المياه بشكل لافت. وأضاف: تتم التعبئة بعيدا عن الاشتراطات العامة ولا تراعى نظافة المستوعبات والمواد المعالجة ومدى صلاحيتها. تجارة رائجة بدوره، ذكر توفيق الحرازي أن مصانع مياه الشرب باتت تجارة رائجة في مدينة جدة، حتى تجاوز عددها أرقاما فلكية، خصوصا أن البعض يلجأ إلى هذا النشاط من أجل الكسب المادي دون النظر إلى معرفة المواد التي تعالج بها المياه ولا كيفية التعبئة. واستغرب أبو يوسف من آلية عمل هذه المصانع قائلا: عندما أوقف سيارتي أمام المحل يأتي العامل لاستلام «الجوالين» الفارغة لتعبئتها بتكلفة ريالين للجالون الواحد سعة 18 لترا، ولا أعلم ما إذا كانت التعبئة يدوية أو آلية. وزاد «نستخدم المياه الصحية في الشرب والطبخ، وأعتقد أن استخدامها في الطبخ لا مشكلة أو ضر منه لأنها تتعرض لدرجة الحرارة، أما الشرب مباشرة فإنني قد سمعت بأنها مضرة». مياه مفحوصة وبالمقابل، يدافع العاملون في مصانع تعبئة مياه الشرب عن جودة سلعتهم وسلامتها، وهنا أوضح محمد نظير خان (عامل في أحد مصانع تعبئة المياه في جدة) أنهم يأتون بالمياه من التحلية، ويحرصون على فحصها مع بداية كل يوم من خلال مهندس متخصص، مؤكدا حصول العاملين على كروت صحية من أمانة جدة تخولهم للعمل في محال بيع مياه الشرب. وقال: نعمل على إنتاج مياه صحيحة وفق المقاييس التي حددتها الأمانة. فيما أكد فيروز (عامل توزيع مياه صحية) جلب المياه من التحلية، ثم تأتي مرحلة الفحص والتنقية وفق معدات وأجهزة تحاليل داخل المحل. وقال: مياهنا صحية وخاضعة للمواصفات، والدليل الكثير من العملاء الذين يثقون في مياهنا، على حد قوله. التحلية مضمونة وهنا أكد رئيس مجلس إدارة الجمعية السعودية للعلوم البيئية الدكتور أسعد أبو رزيزة، على سلامة مياه التحلية، وقال: المياه التي تصل عبر التحلية تعد مضمونة أكثر من المياه المعبأة في المستوعبات البلاستيكية والتي لا أحد يعلم طريقة معالجتها في المصانع التي لا تخضع للرقابة. وأشار أبو رزيزة إلى دراسة أجريت في جامعة الملك عبدالعزيز وأثبتت تلوث العبوات البلاستيكية في عدد من المصانع، وأنها لا تصلح للشرب، مبينا أن مياه التحلية تعد أنظف وأنقى كونها معالجة عبر مراحل عديدة، لكن المشكلة في عدم وصولها إلى المستهلك دون أن تتعرض للتلوث. غير صالحة من جهته، يرى الخبير واستشاري المياه الدكتور حمود بن مطر الثبيتي أن استخدام مياه التحلية مباشرة من الشبكة في الشرب أمر جيد ومطلوب ومعمول به في كثير من الدول المتطورة، ويعود ذلك لضمان الحصول على النوعية الجيدة من المياه، كونها تحت مراقبة فنيين مختصين في كيفية التعقيم ومعرفتهم للكميات المسموح بها، لكن شريطة أن تكون الشبكة من مواد لا تصدأ ولا يوجد بها تآكل. وأكد الثبيتي أنه يوجد مياه معامل غير صالحة للشرب، وتحتاج لمتابعة مستمرة لمعرفة مصادر مياهها، خصوصا أن 70 في المائة من الأمراض سببها المياه الملوثة الناتجة عن مصادر المياه، التخزين، وطريقة المعالجة، فضلا عن العمالة التي لا تحرص على استخدام الطرق الصحيحة أثناء تعبئة المياه. أكثر جودة بدوره، بين مدير المركز الوطني للكلى الدكتور فيصل شاهين اعتماد المركز على مياه التحلية العادية، خصوصا بعض إخضاعها للدراسات التي أظهرت أنها أكثر جودة من المياه المعبأة، خصوصا فيما يتعلق بالنسب المثالية لمياه الشرب التي تكون نسبة الحموضة فيها متوازنة، وبمقدار قليل غير مرتفع من الكالسيوم، والمغنزيوم والنترات وخالية من النحاس مع نسبة قليلة من الكلورايد. وأضاف: المياه المثالية لها فوائد في المحافظة على استقلاب الجسم وتحسين نوعية الجلد ومحتوى الخلايا من السوائل، وتحسين تصفية الكلى لطرح الفضلات والوقاية من ترسبات الأملاح، وقال: عادة ما ينصح المرضى المعرضون للإصابة بحصوات الكلى بشرب نحو ثمانية أكواب من المياه، يكون لها وسط قلوي لمنع ترسب الأملاح. مصدر مأمون وللأطباء رأي خاص في المياه المستهلكة من قبل الأفراد والتي يجب أن تكون صحية ومعالجة من كل الشوائب وفق اعتقادهم، موضحين أن مياه التحلية هي مياه نقية وصالحة للاستهلاك الآدمي. وفي البداية، اعتبر استشاري التغذية العلاجية نائب رئيس مجلس إدارة جمعية الغذاء والتغذية السعودية (سابقا) الدكتور خالد المدني، توفير مياه الشرب النقية أحد أهم العوامل التي تقي الإنسان من الأمراض المرتبطة بالمياه الملوثة، مضيفا أن المياه المستخدمة لأغراض الشرب والطبخ يجب أن تكون من مصدر مأمون يخضع للرقابة الصحية، لافتا إلى اعتماد 80 في المائة من السكان على المياه الصحية الجاهزة في قوارير مغلفة أو المعبأة عبر محال المياه المعالجة بالأوزون. وأضاف: معالجة المياه بالأوزون ظاهرة صحية، ومع هذا يجب إخضاع هذه المصانع للرقابة ورصد السلبيات فيها، خصوصا أن تعريض مياه الشرب للأوزون بطريقة عشوائية تجعل بروميد البوتاسيوم يتحول إلى برومات البوتاسيوم المسرطن، ولا تزال بعض مصانع المياه المعلبة تعرض المياه للأوزون بشكل مكثف يضر بالصحة، فضلا عن مشكلة طرق النقل والتخزين في جميع المياه المعلبة. ونبه الدكتور المدني إلى أن تخزين علب وقناني المياه المعبأة في الصيف وحتى عرضها في المتاجر تحت أشعة الشمس وفي مستودعات حارة غير مبردة، قد يعرضها للتلوث، خصوصا أن الدراسات المختبرية أثبت أن التخزين تحت ضوء الشمس والحرارة يحيل بعض العينات إلى اللون الأخضر بسبب نمو الطحالب، مؤكدا حاجة الإنسان البالغ من السوائل 3.7 لتر في اليوم الواحد، بينما تحتاج المرأة البالغة 2.7 من السوائل، لأن حاجة المرأة للسوائل أقل من الرجل، كما تحتاج إلى سعرات حرارية أقل. اعتقاد خاطئ وفي السياق نفسه، أوضح استشاري المسالك البولية في مستشفى الملك عبدالعزيز ومركز الأورام الدكتور رضا متبولي أن الكثير من الأسر تعتمد على المياه الصحية الجاهزة عبر جوالين معالجة ومغلفة، وقد يكون هذا التوجه معمولا به في كثير من الدول، خصوصا الخليجية؛ اعتقادا أن مياه التحلية تسبب في تكوين حصوات الكلى، وهي معلومة خاطئة ولا تستند إلى توثيق علمي. وأضاف «مياه التحلية نقية ومعالجة عبر مراحل عديدة، وربما قد تكون المشكلة في خزانات الأسطح؛ لأنها تظل سنوات عديدة دون أي تنظيف أو معالجة وبما يحتضن بعض الشوائب». وزاد: بعض الأسر تعتمد في شربها على مياه التحلية التي تمر عبر الفلاتر المنزلية، وهذه لا تحتوي على أية مشكلة صحية لأن هذه الفلاتر تعمل على ترشيح وإزالة الشوائب، مؤكدا أن استخدام مياه التحلية في الطهي وأغراض الشاي والقهوة لا يشكل خطورة على صحة الإنسان؛ لأنه يتم غليها بشكل جيد حتى تصبح نقية أكثر ، داعيا إلى ضرورة الحرص على تنظيف خزانات المياه ضمانا لسلامتها للاستعمال البشري. رأي الأمانة إلى ذلك، تبذل أمانة جدة الجهود لوضع نظام رقابي شامل يضمن منتجات نقية وغير ملوثة، بالاستعانة بهيئة الغذاء والدواء للاستفادة من إمكانياتها في فرض رقابة صارمة على تلك المصانع. وهنا أكد مدير عام التراخيص والرقابة التجارية في الأمانة، الدكتور بشير أبو النجم، إخضاع كافة مصانع معالجة المياه للرقابة المشددة، والمطالبة بتطبيق الاشتراطات الصحية والفنية لضمان حماية المستهلك، وتقديم منتجات غذائية ذات جودة عالية تتوافق مع المواصفات الصحية العالمية، لافتا إلى إلزام الأمانة ملاك المصانع بتطبيق تلك الاشتراطات، وفرض غرامات مالية وإدارية على المخالفين، وأيضا استخدام عقوبة التشهير كأسلوب جديد تجاه المصانع التي تمادت في مخالفاتها ولم تلتزم بالتعليمات الخاصة. تنسيق رقابي وحول ضرورة زيادة الرقابة على تلك المصانع أشار أبو النجم، إلى أن العمل جار بين الأمانة وهيئة الغذاء والدواء لفرض الرقابة الكاملة على تلك المصانع، مؤكدا نجاح الخطط والحملات التي نفذتها الجهتان خلال الفترة الماضية، ونتج عنها ارتفاع إيجابي في مستوى جودة المنتجات بفضل الرقابة الصارمة، مبينا سحب هيئة الغذاء والدواء على عينات من المياه بصفة عشوائية أسبوعيا، لإجراء التحاليل المخبرية في مختبرات متخصصة، والتأكد من مطابقة المياه للاشتراطات الصحية المعتمدة، وأضاف: في حالة وجود مخالفة يتم تطبيق العقوبات على المصنع المحالف، والتي قد تصل أحيانا إلى الإغلاق لمدة شهرين أو الإغلاق النهائي، مع فرض غرامة مالية أو التشهير في الصحف إذا تطلب الأمر. وطمأن الدكتور أبو النجم المستهلكين، وقال «المياه الصحية في مأمن من الملوثات التي تضر بصحة الإنسان»، مبينا أن الرقابة المستمرة أدت إلى زيادة الوعي بضرورة الالتزام بالاشتراطات الصحية، منوها بقرار التشهير بمصانع معالجة مياه الشرب المخالفة، الذي أقرته الأمانة ضمن اشتراطات الرقابة الصحية، وأضاف: قرار التشهير قلص من حجم معاناة المستهلكين، والمتمثلة في الملوثات البكتيرية والشوائب والحشرات المختلطة مع المياه أثناء تعبئتها وتسويقها للمستهلكين.