إن من أجمل وأحكم النصائح التي يقدمها المختصون في علم التخطيط الاستراتيجي هي أهمية التفكير والصياغة المسبقة للغد والمستقبل الذي نتمناه ونرغب في تحقيقه، وصدق من قال بأن التطور مرهون بالتصور، لذا نشاهد كثيراً من الدول الناجحة قد أفادت كثيراً من هذه النصيحة التخطيطية الذهبية مثل ماليزيا والرؤية الماليزية التي يشار إليها برقم 2020 والرؤية المستقبلية لإمارة دبي 2030، ولا تنحصر فائدة الصياغة الاستشرافية للمستقبل المرجو في مجرد كتابتها والتسويق لها وتعليقها أمام الناظرين في الوزارات وتوصية الإعلام بترديدها على مسامع الناس، ولكن الفائدة الحقيقية لتكوين الصورة الواضحة للمستقبل المأمول هي توجيه كل الطاقات والموارد نحو هذه الصورة بغرض تحقيقها بصورة منظمة ومتدرجة ومتناغمة وغير متصادمة وفق جدول زمني صارم مع توفير وحفظ الموازنات المالية اللازمة لجعل الحلم حقيقة.إن لهذا المنطلق التخطيطي الواضح أثراً قوياً في طمأنة المواطنين وإزالة مخاوفهم الطبيعية تجاه المستقبل وتغيراته، وإبدالها أمناً وراحة وثقة أساسها الحقائق والخطط وجداول ملزمة للتنفيذ تظهر نتائجها للعيان كلما انتهت مرحلة من مراحلها، ولا يتحقق هذا الأثر الإيجابي إلا بالعمل في محيط يمتاز بالشفافية والمسؤولية والمحاسبة في كل المراحل، حيث تخاطب النتائج والإنجازات المواطن بلسان فصيح قائلة: لا تقلق ولا تخف وقرّ عيناً فنحن أهل لثقتك ولدينا تصور واضح للمستقبل الذي هو مستقبلك ومستقبل أبنائك وأحفادك ولدينا خطط تنفيذية جادة وأمينة تضمن ترجمة هذا التصور إلى واقع ملموس تشهده وتفيد منه، ومن المسلم به لدى العقلاء أن الشفافية تقتضي محاربة الفساد المالي والإداري وتعريته ومحاسبة أهله بلا خوف أو حدود، ويا لها من أمنية جميلة تبنى بها الأوطان: تصور استشرافي واضح للمستقبل يصحبه تنفيذ أمين في مجتمع مؤسساتي قيمه الأمانة والإخلاص وكراهية الفساد ومكافحته بقوة وحزم وشفافية.إن ما سبق عرضه حول التخطيط تصوراً وتنفيذاً ومتابعة وقيماً وأخلاقاً ليُسهم في توعية المواطن وتثقيفه بحقوقه المشروعة على الدولة وإعلامه بدوره وواجباته، وهذا الوعي مكسب لا يقدر بثمن ولا يفهمه ولا يقدره حق قدره الذين لا يرون نفعهم وسلامتهم إلا في التجهيل الممنهج للمواطن وإشغاله أو إغرائه أو إلهائه بالمسكنات الوقتية والمخدرات الفكرية، إن علم المواطن بأهمية وجود تصور استشرافي للمستقبل وخطط واضحة وشاملة للتنفيذ تعمل بشفافية ومسؤولية ومحاسبة تجعله ينظر النظرة الصحيحة ويسأل الأسئلة المبينة للحقيقة، وغرس هذا الوعي لدى المواطنين يرتقي بدورهم كقوة حامية للوطن ومقدراته وحاضره ومستقبله بدلاً من أن يكونوا ملايين مجهلة ومهمشة. إن المواطن الواعي يقابل نوايا الإصلاح ومبادراته بالشكر المصحوب بأسئلة قوية وصريحة تزيد الخير خيراً وتوجه الإصلاح إلى أفضل مساراته وتقيم كل المبادرات في الإطار الشمولي للتصور والتنفيذ والمتابعة والمحاسبة، ولو أصخنا السمع لصوت المواطن الواعي ورأيه المنهجي حول الإصلاح ومشروعاته لوجدناه يطرح على مائدة الحوار طائفة من الأسئلة الناضجة التي تجبر الجميع على التأني في إجابتها والبعد عن الأجوبة العامة والعائمة والإكلشيهات المستهلكة والمكشوفة، ولعلنا نختم القول بسرد عدد من الأمثلة المختارة لهذه الأسئلة التي تعكس وعي المواطن الذي يفخر ببنائه وبيانه كل منصف وعاقل: 1. هل يوجد لدينا اهتمام حقيقي وصادق بالمستقبل الذي هو مستقبل الوطن أجمع وليس مستقبل فئة أو طائفة؟ 2. ما التصور الشمولي الواضح والمدروس لمستقبل بلادنا؟ 3. هل كونّا صورة واضحة وواقعية لحاضر بلادنا؛ فالحاضر يمثل نقطة الانطلاق إلى الغد؟ 4. ما معالم الغد الإصلاحي في بلادنا؟ 5. هل تتفق كل الوزارات والجهات على معالم الغد الإصلاحي لبلادنا؟ 6. ما العقبات في طريق تحقيق هذا التصور الشمولي للمستقبل؟ وما السبيل لتخطيها واستئصالها كائنة ما كانت؟ 7. هل تنبثق كل خطط التنفيذ ومشروعاته من هذا التصور بحيث تجعله هدفها المشترك؟ 8. هل يتم تقييم كل المبادرات بالنظر إليها من خلال هذا التصور الشمولي؟ 9. هل ترفض وتستبعد كل مبادرة أو مشروع ارتجالي لا يعين في التحقيق الفعلي لهذا التصور؟ 10. ما التصور الشمولي لوزارة التعليم للتعليم في بلادنا في عام 2060؟ 11. ما خطط ومشروعات وزارة التعليم لجعل التصور الشمولي للمستقبل حقيقة وواقعاً؟ 12. هل تم إطلاع المواطنين على التصور المستقبلي للتعليم وخطط تنفيذه ونتائجه المرحلية وعقبات التنفيذ وطرق تجاوزها؟ 13. ويوجه المواطن الواعي الأسئلة 10-12 إلى كل الوزارات مثل الصحة والزراعة والصناعة والداخلية والخارجية والضمان الاجتماعي وخدمات المدن والأمن ومكافحة الفساد؟ 14. ويوجه المواطن الواعي لكل الجهات المسؤولة سؤالاً مهماً هو: ما مؤشرات تقييم الأداء في إطار التصور الشمولي للمستقبل من دون مزايدة أو تضخيم إعلامي غير متّزن؟ 15. ما مدى التعارض بين العمل المنسق نحو التصور الشمولي للمستقبل وبين مصالح القلة الفاسدة التي تتعدى على المال العام تحت ستار الفوضى والأمن من العقوبة؟