أفكارنا، تاريخنا، عاداتنا، تقاليدنا، كلها تتفاعل داخل الذهن، فيُترجمه إلى شتى الصور، من ضمنها القراءة التي تسمع وتلمسُ وترى من خلال حروف تجمعها كلمات. من هنا كان الكتاب، مستودع لِحفظ وانتقال وتداول الحضارات والعلوم بكل لغات العالم. هنا نقف عند الإعلام ودوره، في انتشار وتسليط الضوء على كل ما يُكتب، وكم حفظ من تراث العالم وعلومه، داخل مجلدات وعلى رقاع، وكم تطور هذا الإبداع مع تطور الفكر. والكتاب هو مِرآة تعكس الحاضر والماضي، وإشراقة للمُستقبل. وجاء قول الشاعر أبو الطيب المُتنبي: أعز مكان في الدنيا سرجٌ سابح وخير جليس في الزمان كتاب. كما يُروى أو يُدون من خلال ثوابت عِلمية، أو ما يُبدعه الخيال، وأصبح الكتاب ينقُل الحضارة والتاريخ، ويخدُم أهدافاً دينية ووطنية، ومصالح ممالك ومُجتمعات، ومصالح ضد أخرى، وقد اُستغلت التقنية الحديثة لنشر السموم والإباحية والفكر المُنحرف، من كثيرين، كما انتشر التحريض بين ضُعفاء النفوس، كما بُثت سموم الفِكر المضاد لقيم الأمة، تحت ستار دين أو وطنية زائفة. لِذا يجب أن يكون صاحب القلم صادقاً مع ذاته ونفسه، وأن يكون صاحب انتماء أولاً، فكلما ازدادت ثقافة الإنسان، وقوة الإعلام، صُنعت جسور الترابط بين شعوب العالم، بأمان فكري، يوصل الفكر لمتلقيه، ممن يبحثون عن المعلومة المفيدة، وذات جدوى، وهذا يُعيدنا إلى الشوق إلى المكتبات الحقيقية، في مدارسنا وجامعاتنا ومُدننا، وتشجيع أصحاب الأقلام، من خلال المسابقات والبرامج الثقافية الهادفة، التي تُثري الفِكر والعقل، إضافة للمعلومة التي يحتاجها المتلقي، في عالم تتسارع فيه المعلومات، لينهل من معين الثقافة، ومن كل ما هو جديد. وما تطالعنا به التقنية الحديثة المتطورة من مُستجدات ومبتكرات عِلمية، مثل شبكات التواصل الاجتماعي (تويتر، فيس بوك) وأن يكون استخدامها للهدف الأسمى الذي صممت من أجله، لا للمهاترات وما يصاحب ذلك من تراشق غير محمود. وحرية الفِكر لاتعني الإباحية، أو الخروج عن الدين والعُرف والتقاليد، كما يجب أن نسعى لنشر الدين وترجمة تعاليمه السمحة التي جاءت في كتاب الله العزيز، وفي السنة النبوية المُطهّرة، التي جاءت بالاعتدال ونبذ الغلو والتشدد، والتسامح بين البشرية قاطبة، والعيش في حُب وسلام ووئام، لقوله تعالى (يا أيها الذين آمنوا إنا خلقناكم من ذكر وأنثى وجعلناكم شعوباً وقبائل لتعارفوا) الآية. وهذا يجعل التعايش السلمي في كل أصقاع الكرة الأرضية بأسلوب حضاري، وبرفق ولين، حتى الرسول صلى الله عليه وسلّم، وهو مؤيد بنصر الله، لكن عليه أن يقدم رسالته برفق، لقوله تعالى (وجادلهم بالتي هي أحسن) الآية. وكذلك يوصيه الله بأن يخاطبهم من خلال عقولهم: كن مُستمعاً جيداً ولا تكن فظاً غليظاً. قال الله تعالى (فبما رحمةٍ من الله لنت لهم ولو كنت فظاً غليظ القلب لانفضوا من حولك) الآية. في هذه المنظومة الحضارية المتكاملة، تجيء رسالة الكتاب، وفي عصرنا الحاضر، يأتي معرض الرياض الدولي للكتاب، كل عام، في بيت العرب الكبير، العاصمة الرياض، للتأكيد على دور الكتاب الفاعل في إثراء الفِكر، بكل ما يطرأ على الساحة، وما يدور في العالم المترامي الأطراف، من أحداث متعاقبة سياسية، اجتماعية، ثقافية واقتصادية. وتاريخنا الطويل العريق، عبر آلاف السِنين، وبكل أحداثه الخالدة المشرّفة، والضاربة في جذور هذه الأرض الطيبة. إلى ما هنالك من كتب عِلمية طبية بأقلام صفوة العُلماء، والأدباء، الدكاترة والأساتذة، ويرتاد هذا العُرس الثقافي الكبير، صفوة المُجتمع، من عُلماء وأدباء وفقهاء وطلاب، ومن كل شرائح المُجتمع، الذين يسعون إلى انتقاء المعلومة الجيدة والمُفيدة، من خلال هذه الكتب المُنتشرة في أروقة ودهاليز المعرض. وقد عُقدت ندوات ثقافية قام بها نخبة من الأكاديميين والأكاديميات، في أوقات متفاوتة أيام المعرض. إننا نطمح أن يصبح لمدن المملكة الكبرى نصيب من هذا العُرس الثقافي، أسوة بمدينة الرياض، لِتعم الفائدة، ويحظى الجميع بهذا الالتقاء مع علوم المعرفة، وهذا الزخم من الكتب القيمة والمُفيدة. لقد صاحب المعرض حدوث تجاوزات من بعض المجتهدين، من خارج نطاق هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، ولم يكن لهم أي تأثير، والحمد لله، وكان مبدأ الحِكمة والإقناع والعقلانية ديدن الجهات المسؤولة تجاه هؤلاء المجتهدين الذين يرغبون في فرض وصاية غير رسمية وغير نظامية، بإحداث بلبلة وإثارة شغب، يُشوه صورتنا الجميلة الوضّاءة أمام ضيوف الدولة، ومرتادي هذا العُرس الثقافي. ويكفي أن هذا المعرض حقق نجاحاً وتفوقاً مُنقطع النظير، والحمد لله، وحقق حضوراً كبيراً طوال أيام انعقاده، ومبيعات فاقت الأربعين مليون ريال، وعكس، وأبرز، الصورة الحضارية المُشرقة والحقيقية للمجتمع السعودي النبيل، الذي يُقدر العلم، ويحترم ويُجل الثقافة، وما يتميز به في التعامل الأخلاقي والإنساني والحضاري مع الآخرين.