التحذير الذي أطلقه تقرير الأمانة العامة لاتحاد غرف دول مجلس التعاون الخليجي في الأيام القليلة الماضية ليس جديداً وليس الوحيد من نوعه، ويجب أن يؤخذ على محمل الجد من قبل صناع القرار بدول التعاون عبر التركيز على الداخل الخليجي في مجالات الانفتاح على المواطن الخليجي، وتطوير التعليم ومخرجاته، وإعادة هيكلة سوق العمل بما يوفر المزيد من فرص العمل لأبناء دول المجلس، وتجفيف منابع الفساد في الموازنات العامة. صحيح أن التقرير توقع فوائض مالية فلكية تصل إلى 265 مليار دولار في العام الجاري، حيث يبلغ صافي الفائض في الحساب الجاري 124 مليار دولار في المملكة العربية السعودية و29 مليار دولار في الإمارات و62 مليار دولار في الكويت و41 مليار دولار في قطر و8 مليارات دولار في عمان وملياري دولار في البحرين. وأن حجم الناتج المحلي الإجمالي متوقع له أن يصل إلى 1.46 تريليون دولار، إلا أن التقرير نفسه واستنادا إلى مؤسسات دولية وإقليمية مثل صندوق النقد الدولي، توقع أن تولد اقتصاديات المنطقة ستة ملايين وظيفة جديدة في الفترة ما بين 2010 و2015، وأن فقط ثلث هذه الفرص الوظيفية سوف تذهب إلى المواطنين وأن الثلثين الباقيين سوف تشغرهما العمالة الوافدة وبشكل رئيسي العمالة الآسيوية، الأمر الذي سيقود إلى زيادة نسبة البطالة في دول المجلس، حيث يصل أعداد العاطلين في الدول الست إلى ما بين مليونين وثلاثة ملايين عاطل، حسب تباين التقديرات، في وقت يقدر الصندوق أن أربعة ملايين ونصف المليون مواطن خليجي سوف يدخلون لأول مرة سوق العمل خلال نفس الفترة، مما يفرض ضرورة مراجعة وتغيير إستراتيجيات العمل الراهنة. في هذا الوقت، لايزال الإنفاق على التعليم في دول المجلس متواضعاً جداً قياساً للدول المتقدمة. وحسب الإحصائيات العديدة ينفق على تعليم الفرد سنوياً في دول مجلس التعاون الخليجي 340 دولارا، وفي الدول العربية الأخرى يبلغ الإنفاق مائتي دولار سنويا، فيما يبلغ في الكيان الصهيوني ألفين و500 دولار، وفي الدول الصناعية الكبرى ستة آلاف و500 دولار. أما البحث العلمي فحدث ولا حرج وتعده أوساط رسمية عديدة أنه يتموضع في خانة الترف غير الضروري، بينما تؤكد المعطيات أن هذا النوع من الإنفاق يتجاوز في أهميته وضرورته الإنفاق على مجالات غير ضرورية ولا يشكل التوقف عن الصرف عليها أي خلل هيكلي. خلل التنمية الاقتصادية رغم العوائد الفلكية ينبئ بسرعة تحول دول المجلس إلى سوق عمل كبير لعشرات الجنسيات وخصوصا العمالة القادمة من جنوب آسيا. وتشير التقارير الدولية أن نسبة المواطنين في الإمارات 20 %، وفي قطر كانت 30 % وتراجعت بسبب زيادة العمالة الوافدة، وفي الكويت 44 %، والبحرين 48 %. فقط في المملكة العربية السعودية وعمان تزيد نسبة المواطنين عن النصف، وهي مرشحة لأن تلتحق بباقي دول المجلس إذا استمر السير في ذات الإستراتيجيات العمالية. إن هذا يعني أن المواطنين أقلية في بلدانهم بسبب خطط التنمية التي تنفذ التي تبقي أكثر من نصف عدد المواطنين يقفون في طوابير الإسكان في أغلب دول المجلس. وحسب التقارير الدولية تصل أعداد العمالة الوافدة في دول مجلس التعاون الخليجي في الوقت الراهن 17 مليون شخص أغلبيتهم الساحقة من جنوب آسيا وجلهم من الذكور، ومن المتوقع لهذه العمالة أن تسجل ارتفاعا كبيرا لتصل إلى ثلاثين مليون شخص بعد ثماني سنوات، إنها سوف تشغل كل ما يتوفر من فرص عمل جديدة وتزيد. كما تحول هذه العمالة نحو سبعين مليار دولار سنويا للخارج، منها 27 مليار دولار من المملكة العربية السعودية، 17 مليارا من الإمارات، عمان وقطر ستة مليارات لكل منهما، البحرين بنحو ملياري دولار. هذه العمالة تطالب اليوم بحقوق إضافية يمكن أن تصل إلى المطالبة بالتوطين، وهي مطالب تجدها العديد من المنظمات الدولية ذات الصلة طبيعية في ظل الأوضاع والسياسات القائمة. وحيث تواجه الدول الست إرهاصات الربيع العربي ومسألة الهوية والتجاذبات الإقليمية، فإن استمرار الإستراتيجيات ذاتها ستقود إلى ضياع هوية الخليج العربي. وهو أمر حذرت منه النخب السياسية والفكرية في دول المجلس منذ سبعينيات القرن الماضي، خصوصا خطورة العمالة الوافدة من دول لا تشترك مع دول المجلس لا في الثقافة ولا في اللغة، وكانت المطالبات ولاتزال تدفع باتجاه ترشيد سياسات جلب الأيدي العاملة والتركيز على العمالة العربية بدلا من العمالة الآسيوية التي تحمل معها أمراضا اجتماعية لا تعرفها الدول العربية، فوق عملية التهجين الناتجة من عملية الاستيطان التي تتم في بعض دول المجلس منذ عدة عقود دون ضوابط جدية من قبل الجهات الرسمية المختصة. في كل الأحوال، ليس أمام صناع القرار سوى إعادة النظر في الهياكل الإدارية والسياسية التي تسير عليها دول مجلس التعاون، وليس من مفر إلا التوجه للداخل الخليجي وإشراكه في صناعة القرار الاقتصادي والسياسي والاجتماعي.