عطفاً على مقالتي أمس عن شاب حرص على توريث ملابسه لأهله (ناشفة) من غير سوء (البلل)، قبل أن يهوي بقاع النيل عارياً، تجمهر بمدينة القضارف شرقي السودان، العشرات من هواة أفلام (الأكشن) لمشاهدة رجل خلع (ملابس روحه) عن جسده مقرراً السقوط من برج يرتفع تسعين متراً، قائلاً لمشيعيه على الهواء: (لو دايرين أنزل، زوجوني بحبيبتي)!بالطبع، سقط العاشق من عاليه ودقّ عنقه، فهل توقع أحدكم أن ينزلق اليائس البائس من ذاك العلو ليسقط في حضن حبيبته؟! مسؤول سميك الجلد، تبسمل وتعوذ وتحوقل وتنحنح ثم بصق وقال معلقاً على انتحار الرجل من برج التلفزيون الحكومي: (لقد حان الوقت للتفكير في تطوير أساليب جديدة لحماية المنشآت العامة والخاصة للحد من الظاهرة). في ذمتك دا كلام؟! هل سيكلفك غالياً، لعق دماء المنتحر بمكنسة من تحت أقدام البرج المنتصب في شموخ من عدلكم الاجتماعي؟! أغلب الذين يقذفون بملابس أرواحهم بعيداً عن دواليب أجسادهم الضيقة طوعاً، هم من (العُزّاب) المعزولين عاطفياً، عكس بعض المتزوجين المستسلمين للانتحار البطيء (بالسيسي)، عبر (حُقنة) زوجات بغيضات (غتيتات). حوالينا ولا علينا.. قدّم (إميل دوركايم)، عالم الاجتماع الذي يعد أحد أفضل من برّر لدوافع الانتحار وصنّفها، وإن كان يشاع في بعض مجالس العلم أنه مات منتحراً على طريقة باب النجار الذي انخلعت (ترابيس) روحه.يقول دوركايم: (الانتحار ظاهرة اجتماعية، لا تُفسّر إلاّ في ضوء العوامل الاجتماعية التي أنتجتها). هذا بالطبع ينفي ما يتشدق به بعض المسؤولين الذين يزعمون دائماً بأن المنتحر (اللي عنده موقف ومبدأ)، فاقد عقل و(ضارب فيوز في راسو)، جرياً على عادة وصف ضحية الجريمة الغامضة بأنه (مختل العقل، مأفون، يستحق الموت بضع مرات في حياته)، وإلاّ، ما الذي يجعله يختار الموت (بالطريقة دي)؟!فرضية عالم الاجتماع الذي لا يلزمنا تصديقه، لأنه (كافر أثيم)، نفت ربط الانتحار بالاختلال العقلي أو التقريب بين إدمان المخدرات والانتحار، (وإن كانت المخدرات نفسها ضرب من الانتحار)، كما يرى أيضاً بأنه ليس هناك علاقة بين الانتحار والمناخ (وقمر 14)!قبل أن يتدلى حبل المقال (منهياً) حياة المساحة المتبقية لي، أكرر حديث المسؤول الرفيع عقب انتحار العريس، مع تعديل طفيف: (حان الوقت للتفكير في تطوير أساليب جديدة لحماية المنشآت العامة للحد من تلويثها بدماء المنتحرين)!